كتب ميشال نصر في “الديار”:
انتهى الاجتماع الاميركي – “الاسرائيلي” “الاستراتيجي”، لتبدأ معه جولة جديدة من السقف الكلامي “الاسرائيلي” العالي، الذي بلغ حدود ابلاغ لبنان عبر الوسطاء عدم اهتمام “تل ابيب” بحصول وقف للنار على الجبهة اللبنانية، ممهدا الطريق امام تصعيد خطير على الجبهتين اللبنانية والسورية، لم يسبق له مثيل منذ مدة، وسط اعتماد تكتيكات واستراتيجيات جديدة في اختيار الاهداف والضربات.
فواضح من مسار الاحداث ان الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين قد ترك الملف الرئاسي لنظيره الفرنسي جان ايف لودريان، الذي يحب “الاخذ والرد” عالطريقة اللبنانية، متفرغا لملف الحرب جنوبا، انطلاقا من معادلة اميركية ثابتة حول ارتباط ملفي الحدود ورئاسة الجمهورية بشكل عضوي واساسي. من هنا انكباب هوكشتاين على وضع مكونات “طبخة حل”، تكون جاهزة متى دخلت المنطقة مرحلة التسويات.
وفيما يدور همس في الكواليس الاميركية عن شيئ كبير يجري الاعداد له غير واضح المعالم، على ما ينقل زوار واشنطن، تستمر المشاورات والاتصالات على اكثر من صعيد بين العاصمتين الاميركية و”الاسرائيلية”، على المستويات السياسية والعسكرية – الامنية والاستراتيجية، حيث عقد تحت هذا العنوان اجتماع “افتراضي” جمع مستشار الامن القومي في البيت الابيض جاك سوليفان وهوكشتاين، الى مسؤولين “اسرائيليين” بطلب من رئيس الوزراء “الاسرائيلي”، لبحث التسويات الاخيرة وشكلها بعيدا عن الآليات التي ستقود اليها، عسكرية كانت ام سياسية.
وينقل مطلعون على مسار هذه المفاوضات، ان لا خلاف اميركي – “اسرائيلي” حول الملف اللبناني واهداف “تل ابيب” على جبهتها الشمالية، الا لناحية التوقيت وحجم وحدود اي عملية عسكرية قد تشن ضد لبنان، كاشفين ان جولة المشاورات الاخيرة افضت الى مجموعة من النتائج ابرزها:
– تقديم “اسرائيل” ورقة للجانب اللبناني للتفاوض عليها، عبر ليونة لمسها المفاوضون الاميركيون فيما خص ملف ترسيم الحدود البرية، وايجاد الحلول للاشكالات العالقة بالنسبة للنقاط الـ 13 المتحفظ عليها، والتي تتدرَّج من الغرب بأتجاه الشرق: رأس الناقورة، علما الشعب (3 تحفّظات)، البستان، مروحين، رميش، يارون، بليدا، ميس الجبل، العديسة، العديسة كفركلا، الوزاني، وتبلغ مساحتها 485487 مترا مربعا، وهي تمتد من رأس الناقورة غربا إلى الجسر الروماني القديم على نهر الوزّاني شرقًا. أمّا القسم المتبقّي فهو يَقَع على الحدود اللبنانيّة – السوريّة في الجولان، وفيه إشكاليّة قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة، بالإضافة إلى الخروقات الدائمة للخطّ الازرق وعددها 18 خرقًا بمساحة حوالي 736526 مترًا مربعا، وهي تتدرّج من الغرب باتجاه الشرق في المناطق التالية: رأس الناقورة، علما الشعب، البستان، يارون، عيتا الشعب، بليدا، ميس الجبل، حولا (2)، مركبا، العديسة، الخيام (3)، عمرا (2)، الماري. فيما اجل البحث بالنقاط بي١ ومزارع شبعا.
– اصرار “اسرائيلي” على ايجاد آلية تنفيذية واضحة ودائمة لادارة مرحلة ما بعد التسوية، تسمح بالتأكد من تفكيك بنية حزب الله في منطقة جنوب الليطاني، بحسب العدو الاسرائيلي وتمنع اعادة بنائها مستقبلا، معتبرا في هذا الاطار ان الحديث عن نشر مزيد من قوات الامن اللبنانية على الحدود، لا يشكل ضمانة كافية في هذا الصدد استنادا الى التجارب السابقة.
– حصول “تل ابيب” على ضمانة اميركية: اولا باعطائها حرية الحركة بمهاجمة قواعد حزب الله والحرس الثوري في سوريا واستهداف قوافل السلاح، وثانيا استعداد واشنطن للمشاركة في اي عملية ضرورية لضمان امن “اسرائيل”، بما في ذلك مهاجمة الاراضي اللبنانية.
فهل تحل المسالة بالديبلوماسية والمفاوضات؟ ام ان تراجع العمليات العسكرية على جبهة غزة،بفعل الامر الواقع على الارض، سيفجر جبهة الشمال بشقيها السوري واللبناني، ليتحقق “عالسخن ما عجزت عن تحقيقه عالبارد”.
حتى الساعة لا مؤشرات واضحة، وان كانت الامور غير مشجعة، فوتيرة تصعيد العمليات العسكرية من جهة، والتصاريح السياسية والخطوات العملية لتغيير الواقع على الجبهة الشمالية من جهة ثانية ، وفقا للمسؤولين “الاسرائيليين”، تدل الى ان التطورات ذاهبة الى مزيد من التعقيد، ليصبح السؤال عن تحول لبنان الى غزة جديدة، كما هددت “اسرائيل” امرا مشروعا.
لا جواب على هذا السؤال حتى الساعة، لكن الاكيد ان التهديدات “الاسرائيلية” جدية وان الضغوط الدولية كبيرة، لردع “تل ابيب” وتفادي السيناريو الأسوأ. وتبقى معرفة لمَن ستكون الغلبة في هذا السباق بين الآلة العسكرية من جهة والديبلوماسية من جهة ثانية.