هكذا تستعد طهران للمواجهة الكبرى

هكذا تستعد طهران للمواجهة الكبرى

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

يدرك الإيرانيون أنّ الهدف من الحريق الشرق أوسطي المندلع حالياً هو الوصول إليهم في عقر دارهم أخيراً. لذلك، هم يجهدون للحفاظ على ما بقي لهم من نقاط قوة في الإقليم. وبعد الضربات التي أصابتهم في غزة ولبنان وسوريا، وفيما يعمل العراقيون على تحييد أنفسهم، تبدو اليمن وكأنّها متراس إيران الأخير خارج حدودها.

أدّت التحولات الإقليمية المتسارعة إلى تقليص التمدّد الإيراني في الإقليم، بعدما لامس ضفاف المتوسط وإسرائيل. ويبدو الحوثي حليف طهران، الوحيد الذي ما زال يملك هامشاً من المناورة. لكن المواجهة اليمنية الواسعة مع إسرائيل، بدعم أميركي، لن تكون متكافئة بالتأكيد. والضربات التي استهدفت صنعاء والحُديدة أخيراً، وأصابت المطار ومرافق أخرى حيوية، توحي أنّ الجولات الآتية ستكون أكبر من قدرة اليمن على التحمّل. والأرجح أنّ الحوثي يصرّ على توجيه رسائله الصاروخية إلى إسرائيل وفقاً للقاعدة الآتية: «عندما تصبح وجهاً لوجه أمام عدو يفوقك قوة، ارفع صوتك واضربه بما أوتيتَ من قوة. فهذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تخيفه وتمنعه من افتراسك».

في أي حال، بدأت طهران استعداداتها لمرحلة لم يعد لها فيها أذرع عسكرية حليفة في الشرق الأوسط. وهي اليوم ترسم الخطط التي تخولها حماية نفسها من المواجهة الكبرى المرجحة بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة. وهي في هذا الشأن تقيم موازنة بين طريقين: إما أن تلجأ إلى المواجهة والتحدّي أياً كانت النتائج، وإما الانحناء للعاصفة والقبول بالحلول السياسية. ولكنها، في الانتظار، تبذل كل جهد لإفهام الأميركيين والإسرائيليين بأنّ أي محاولة لتوجيه ضربة إليها لن تكون نزهة، وستكلّفهم الكثير. ووفق الخبراء، هناك 3 أفكار يعمل عليها الإيرانيون للتعاطي مع المرحلة:

1- تستعجل طهران تعميق تحالفاتها شرقاً، خصوصاً مع روسيا، بإبرام اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي طال انتظارها لسنوات. وقد أعلنت الخارجية الإيرانية قبل أيام أنّ هذه الخطوة باتت قريبة. ولكن، حتى الآن، بقي فلاديمير بوتين يتريث في هذا المجال، تجنّباً لمزيد من التوتر مع واشنطن، أو لتعكير العلاقات الطيبة مع ترامب الآتي إلى البيت الأبيض بعد نحو 3 أسابيع، والتي يريد تثميرها بالحصول على رأس فولوديمير زيلينسكي على طبق من فضة، بالمعنى السياسي.

وكذلك، يعتقد بوتين أنّ إيران ستستفيد من اتفاقية التعاون الاستراتيجي للاستمرار في تحدّي واشنطن وإسرائيل، فيما موسكو تحتاج إلى التهدئة مع الغرب، بعد سقوط حليفها السوري. وبات عليها لزاماً إيجاد مخرج لوجود قاعدتيها العسكريتين في طرطوس وحميميم. وبديهي أن تكون أولوية بوتين في المساومات مع واشنطن تحقيق الانتصار والمكاسب في أوكرانيا وليس تأمين المصالح الإيرانية.

وما يؤرق طهران هو أنّ القوى الأوروبية التي ساعدتها طويلاً لتنفيس الضغط الأميركي والحدّ من الحصار عليها ستنكفئ في الفترة المقبلة، وقد تشارك ترامب في الحملة عليها. ويتوقع الإيرانيون نشوء ضغوط عربية مستجدة في وجههم، لا من جانب المحور العربي المعروف بخصومته التقليدية لهم، كدول الخليج، بل أيضاً الدول العربية التي كانت حليفة لهم، كسوريا التي تستعد قيادتها الجديدة لرفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية تطالب إيران بتعويضات قيمتها 300 مليار دولار عن الخسائر الناجمة عن دعمها للأسد، وللتخلص من عشرات من المليارات جرى ترتيبها على الدولة السورية في شكل ديون لمصلحة طهران.

2- تدرس طهران جدّياً فتح باب التفاوض مجدداً مع الولايات المتحدة. وفي اعتقاد بعض الخبراء أنّ هذه المفاوضات ستكون أسهل من تلك التي جرت قبل العام 2015، لأنّ الشق المتعلق بنفوذ إيران الإقليمي قد زال تقريباً، ويبقى النقاش في الملف النووي فقط. ويطرح هؤلاء فكرة أن تتجاوب إيران فعلاً مع مطالب الغرب وإسرائيل وتوقف المسار الذي يوصلها إلى امتلاك سلاح نووي. وفي هذا السياق، يُحكى عن إعطاء دور لموسكو في مساعدة طهران كي تنجز الخطوات العلمية الآيلة إلى جعل المنشآت النووية الإيرانية ذات صفة سلمية في شكل مؤكّد ودائم. وهذه الخطوات تتكفّل بتعطيل أي ضربة عسكرية محتملة لطهران.

3- يطالب الصقور في طهران بخوض المواجهة العسكرية إذا كانت حتمية. وفي رأيهم أنّها أفضل من الحلول الديبلوماسية إذا كانت ستقود إلى ما يشبه الاستسلام. لكن هذا الخيار لا يحظى بتأييد واسع لأنّ عواقبه معروفة.

إذاً، ستختار طهران بين المواجهة العسكرية وطريق الديبلوماسية ووقف البرنامج النووي والانفتاح. وصحيح أنّ قادتها سيجدون صعوبة في الذهاب إلى الخيار الذي يقدّمون فيه التنازلات، لكنهم قد يوافقون عليه لأنّه يسمح ببقاء النظام بمرتكزاته الأساسية، ويتيح له بناء قوته مجدداً، ذات يوم، إذا تبدلت الظروف الإقليمية والدولية. وأما البديل فهو الضربة العسكرية الإسرائيلية ـ الأميركية التي تستهدف على الأرجح مرتكزات القوة في الداخل الإيراني، أي المفاعلات النووية والمخزونات العسكرية ونقاط القوة الاقتصادية.

ويقول محللون إنّ طهران تأخّرت سنوات في استدراك الخطر وتبديل النهج. لكن آخرين يعتقدون أنّ التصادم حتمي في أي حال، لأنّ مشروع التعملق والتوسع في الشرق الأوسط يهدّد مصالح إسرائيل والولايات المتحدة وقوى إقليمية أخرى، ولاسيما منها تركيا التي سارعت اليوم إلى الاستفادة من إضعاف نفوذ طهران في سوريا. وفي داخل هذا المشهد، إسرائيل من جهتها، باتت تتوسع بهدوء، وبلا اعتراض من أحد.

Exit mobile version