كتبت “نداء الوطن”:
لم تكتفِ إسرائيل بشن حروب ضارية على الجنوبَين اللبناني والسوري، محوّلةً خصوصاً بلدات في جنوب لبنان إلى مناطق غير قابلة للعيش، بل سعت إلى إحكام قبضتها وإبقاء سيطرتها على نقاط عدة في الجنوبَين اللذين يؤرقان خاصرتها الشمالية.
فمِن جنوب لبنان انسحب الجيش الإسرائيلي في 18 شباط الفائت، إلّا أنه أبقى على قواته في خمس نقاط استراتيجية توصف بالتلال الحاكِمة وطريقين. وكما بات معلوماً، فإن أهمية هذه النقاط بالنسبة إلى الدولة العبرية تكمن في أنها تحمي مستوطناتها الشمالية كما تتيح لها مراقبة مساحة شاسعة من جنوب لبنان، فضلاً عن أنها تشكّل شريطاً عازلاً بالنار.
هذه المواقع المشرفة الخمسة والطريقان تبدأ من الغرب في اتجاه الشرق، وهي على الشكل الآتي:
– تلة اللبونة: تطل على الطريق الساحلي من بوابة الناقورة وصولاً إلى بلدة البياضة، وتشرف على قيادة قوات “اليونيفيل” من الجهة الغربية، أمّا شمالاً فتشرف على العديد من القرى اللبنانية الجنوبية وصولاً إلى صور. وتعتبر القيادة العسكرية الإسرائيلية أن البقاء هناك يحمي ثلاث مستوطنات متاخمة للحدود. هذا وتشرف التلة التي تمتاز بغابات كثيفة وتبعد عن الخط الأزرق 300 متر، على الوادي بين إسرائيل ولبنان. إذاً، اللبونة تعتبر مدخل جنوب لبنان من الجهة الغربية وتتيح لمن يمسك بها أفضلية المراقبة من الناقورة حتى صور.
– جبل بلاط: يبعد عن الخط الأزرق 800 متر، ويقع في القطاع الأوسط ويشرف على جزء منه وعلى الوادي بين عيتا الشعب والأراضي الإسرائيلية شرقاً. وتعتقد تل أبيب أن الجبل يؤمن الحماية لثلاث مستوطنات شمالية، لذلك فقد أبقت سرية من الجنود فيه.
– تلة جل الدير: تتبع عقارياً عيترون التي تعتبر البلدة الأخيرة في قضاء بنت جبيل في القطاع الأوسط، وتبعد 800 متر عن الخط الأزرق، وتشرف على جزء من القطاع الأوسط وعدد من المواقع وتحمي ثلاث مستوطنات، وتعتبرها إسرائيل في غاية الأهمية.
– تلة الدواوير: تقع بين مركبا وحولا وتبعد 300 متر عن الخط الأزرق، وتشرف على يارون ومارون الراس، وتحمي مستوطنة “مرغليوت” كما تطل على مستعمرة “مسكفعام”.
– تلة الحمامص: تقع في القطاع الشرقي وتبعد عن مستوطنة “المطلة” 200 متر، وتعتبر إسرائيل أنها تحمي ثلاث مستوطنات من بينها “المطلة”. كما أنها تكشف مناطق واسعة من إصبع الجليل ومستوطناته، وتشرف على مدينة الخيام، التي كانت تُوصَف بأنها موقع دفاعي متقدّم لـ “حزب الله”.
أمّا الطريقان اللذان أحكم الجيش الإسرائيلي قبضته عليهما من خلال إقفالهما، ومن دون أن يكون له وجود مادي فيهما، فيقع أحدهما بين اللبونة وجبل بلاط، والآخر بين العديسة وكفركلا.
هواجس “سلَفية” وأمنية مؤرقة
من جنوب لبنان إلى جنوب سوريا، فما إن بدت تباشير سقوط النظام السوري البائد، حتى كشّرت إسرائيل عن أنيابها التوسعية في سوريا متذرّعة بحجج وهواجس “سلَفية” وأمنية تؤرقها، مطلقةً العنان لآلتها العسكرية في الجنوب السوري المتاخم لحدودها، بل دفعت بقواتها إلى العمق السوري لتقترب من مشارف دمشق، وهي استهدفت مستودعات أسلحة استراتيجية ومواقع عسكرية تعتبرها حساسة، فضلاً عن أهداف أخرى تعتبر الدولة العبرية أنها تشكل تهديداً أمنياً مباشراً لها، مدمرةً بذلك حوالى 80 في المئة من قدرات القوات البرية والبحرية والجوية السورية في عملية أسمتها “سهم باشان”، وهي تسمية مستوحاة من التوراة.
وفي موازاة الضربات العسكرية القاصمة التي لم تعرف السكون على الجنوب والداخل السوري، سيطر الجيش الإسرائيلي في أعقاب سقوط النظام السوري على المنطقة العازلة، التي يبلغ طولها نحو 75 كيلومتراً ويتراوح عرضها بين 200 متر جنوباً و10 كيلومترات في الوسط، في خرق فاضح لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974، كما أحكم قبضته على مواقع استراتيجية مهمّة كان أبرزها في جبل الشيخ. كذلك شمل التوغل بلدات عدّة في محافظة القنيطرة الجنوبية أبرزها: أوفانية، والقنيطرة، والحميدية، والبعث، والصمدانية الغربية، والقحطانية، والحرية، وحضر، وأم باطنة، وخان أرنبة، والرواضي، وعرنة، فضلاً عن حرش جباتا الخشب والتلول الحمر، كذلك توغلت القوات الإسرائيلية في بلدة سويسة في ريف القنيطرة كما بلدة مجدوليا.وفي المحصلة، فإن إسرائيل بسطت سيطرتها على أعلى نقطة في جبل الشيخ، والتي يبلغ ارتفاعها أكثر من 2800 متر، وهو أمر يتيح لها كشف كامل المنطقة بين سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية والأردن، بنطاق قد يتجاوز 70 كلم من كافة الاتجاهات.
وفيما تزعم الدولة العبرية أن توغلاتها في الجنوب السوري ترمي إلى تأمين المنطقة، وتدّعي أن وجودها هناك موَقت، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن إسرائيل تبني قواعد عسكرية في الجنوب السوري، ما يرجّح فرضية الوجود طويل الأمد.
وفي الأيام الأخيرة، جزمت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن الجيش أقام بهدوء شديد منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، وأنه لا يوجد في الوقت الراهن تاريخ نهائي لاستمرار الاحتفاظ بها.