كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
الجميع في الإقليم والعالم بات يتصرف على اساس انه لم يعد في الإمكان فعل شيء لتفادي رد “محور المقاومة” على الكيان الاسرائيلي، مع إقرار ضمني بمشروعيته، بعد اغتيال القائد العسكري لحزب الله السيد فؤاد شكر في بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران.
بهذا المعنى، فإن احدا لم يعد يناقش في مبدأ الضربة المضادة التي لم يعد هناك مفر منها واصبحت مسألة وقت ليس إلا، ولكن الأسئلة تتمحور حول متى وكيف واين وبأي سلاح؟ الى جانب السؤال الأكبر، وهو: ماذا بعد رد المحور؟ وسط مخاوف لدى البعض من أن يؤدي تفلت إيقاع الرد والرد المضاد الى تدحرج نحو الحرب الشاملة في المنطقة.
وانطلاقا من حقيقة ان لا إمكانية لاعادة عقارب الساعة الى ما قبل يومي اغتيال رمزي “الحزب” و”حماس”، تركز مسعى “الدبلوماسية المرقطة” على محاولة ركلجة “دوز” الضربات واقناع إيران والحزب بتلطيفها حتى لا تترك مضاعفات جانبية على الإقليم، ولكي يسهل على نتنياهو هضمها، وهو معيار لا يبدو أن طهران والمقاومة في وارد الأخذ به، وإن كانتا حريصتين على أن يبقى ردهما مندرجا تحت سقف تفادي الانزلاق الى الحرب الكبرى. َوالى حين ان يعطي الميدان إجاباته، فإن العدو الاسرائيلي وجد نفسه في مواجهة حرب نفسية قاسية أثّرت على مجرى الحياة اليومية في الكيان وحتى على سلوك قادته الذين باتوا ملزمين بمراعاة إجراءات استثنائية تحسبا لضربات “غامضة”، من جهات وجبهات عدة.
وقد نجح محور المقاومة ضمن هذا الإطار في التلاعب باعصاب الاسرائيليين، بعدما اخذ وقته الكامل في “هندسة” الضربات المفترضة وأشكالها المحتملة، تاركا الكيان قيادة ومستوطنين في حالة من الانتظار المنهِك، الى درجة ان هؤلاء باتوا يفضلون على الارجح ان يحصل الرد في أسرع وقت ممكن حتى يتخلصوا من الضغط النفسي الناتج من ترقب المجهول.
وعندما سئل قيادي في حزب الله، في مجلس خاص، عن موعد الضربة التي حيرت حكومة الاحتلال، أجاب ناصحا: “ما تستعجلوا.. ربما يتم الرد قبل ذكرى اسبوع الشهيد فؤاد شكر وربما بعدها، وربما قبل ذكرى الأربعين وربما بعدها.. اتركوا غرفة العمليات تشتغل شغلها”.
ولعل استنزاف أعصاب الاسرائيليين في انتظار “القدر المحتوم” هو في حد ذاته جزء من الرد الذي تعمدت قيادات المحور ان تطبخه على نار هادئة، على الرغم من الانفعالات الحارة الناتجة من اغتيال الشهيدين شكر وهنية، وذلك ترجمة لمعادلة مركّبة اكدها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقوامها ان المقاومة تقاتل بغضب وحكمة في آن واحد.
وبناء عليه، يرجح العارفون ان تكون ضربات إيران وحزب الله وانصار الله للعدو الاسرائيلي نوعية ولكن من دون أن تمنح نتنياهو ذريعة لشن حرب شاملة على توقيته ووفق مقتضيات مصالحه الشخصية.
ويعتبر هؤلاء ان الابتعاد او الاقتراب من المواجهة الواسعة انما يتوقف بالدرجة الأولى على سلوك نتنياهو بعد تلقيه الضربات المنتظرة، ونمط تعاطيه اللاحق معها.
وهنا، تتوزع خيارات نتنياهو كالآتي:
ـ إما ان يمتنع عن الرد وبذلك تكون هذه الجولة قد انتهت عند هذا الحد ويعود الجميع الى قواعد الاشتباك التي كانت سائدة قبلها.
ـ إما ان يرد بهجمات شكلية ومحدودة بغية المحافظة نسبيا على ماء الوجه، من دون أن تترك تداعيات وخيمة، ويلي ذلك الرجوع الى قواعد مرحلة ما قبل تنفيذ الاغتيالات والرد عليها.
ـ وإما ان يغامر في توجيه ضربات قاسية الى اطراف المحور قد تشكل شرارة الحرب الشاملة التي لا تريدها قوى المقاومة ولكنها جاهزة لها، علما ان هناك من يعتبر ان نتنياهو لا يمكن أن يبادر الى خوض الحرب الكبرى الا اذا كان متأكدا من الشراكة او المشاركة الأميركية فيها، وهو الامر الذي لا يبدو مضمونا حتى الآن، لاسباب تتصل بحسابات إدارة جو بايدن الذي يفضل ان يبقى على ضفاف المستنقع الاقليمي وبحاول ان يتفادى الغرق في وحوله الجارفة عشية الانتخابات الرئاسية التي ستخوضها نائبته كامالا هاريس، إضافة الى انه يعرف ان كلفة مثل هذا التورط ستكون باهظة.
ويشير الخبراء في السياسة الأميركية الى ان بايدن مستعد للانخراط في عملية الدفاع العسكري عن الكيان في مواجهة اي هجوم واسع لإيران او حلفائها كما فعل في نيسان الماضي، الا انه غير جاهز، أقله حاليا، لتغطيته في حرب هجومية شاملة على مستوى المنطقة.