هدنة الـ 48 ساعة خدعة اسرائيليةو”حزب الله” غير معنيّ بها

رضوان عقيل -“النهار”

لم يحدث ان واجهت القيادتان السياسية والعسكرية في اسرائيل ما تتعرضان له من ضغوط امنية جراء نتائج عملية حركة “حماس” في عمق مستوطنات غلاف غزة وامتداد شريط تطوراتها الى جنوب لبنان الذي بات يشكل مادة قلق يومية للحكومة المصغرة في تل أبيب التي لم تخرج بعد من آثار رمال قطاع غزة. ويجري التركيز الاسرائيلي في الايام الاخيرة على الحدود الشمالية مع لبنان. ولا ينفكّ بنيامين نتنياهو وكبار أركان ضباطه عن توجيه التهديدات المتتالية لـ”حزب الله” وتلويحهم بالوصول الى منازل كوادره واستهدافهم في البلدات الشيعية بحسب توصيف الاعلام الاسرائيلي الذي لم يقصّر ايضا في تسليط الضوء على نقاط الضعف عند الحكومة والمؤسسة العسكرية التي لا تسير على رؤية واحدة. واذا كانت التهديدات العسكرية تصدر عن نخبة من الضباط الصقور في منطقة الشمال ومن على ارض المستوطنات التي لم تتوقف عن توجيه التحذيرات للسيد حسن نصرالله، تخرج آراء اخرى لهم وهم في الخدمة الفعلية والاحتياط لا يمانعون الدخول في هدنة – تجربة مع الحزب لمدة 48 ساعة والبناء على حصيلتها، واذا لم يجرِ الالتزام بها بحسب قولهم سيقدِمون عندها على “تدمير جنوب لبنان”.
ويستمر نتنياهو في اطلاق شريط تهديداته التي يركز فيها على إبعاد “حزب الله” عن الحدود. ولا يخلو هذا النوع من الرسائل من ممارسة حرب نفسية واعلامية ضد “محور المقاومة” الموجهة اولا الى “حزب الله” الذي لا يتراجع عن تصديه للاعتداءات الاسرائيلية والرد عليها بحسب ما تتطلبه تكتيكات الميدان، مع ملاحظة ان شرائح كبرى من الاسرائيليين وبنسبة تزيد على 65 في المئة من المستطلعين لا يعارضون فتح حرب شاملة ضد الحزب والقضاء على قدراته العسكرية، لانهم يعتقدون، وخصوصا الذين يقطنون في الشمال، ان اي تسوية سيتم التوصل اليها في ظل المناخات العسكرية القائمة بين الطرفين، لا تؤكد انهم سيكونون في المستقبل في منأى عن ضربات الحزب وصواريخ “الكورنيت” .
وتحوّل موضوع المستوطنين مادة تجاذب بين اركان الحكومة المصغرة التي تعمل بانعكاس انقساماتها على الجسم العسكري الذي يمثل اطياف المجتمع الاسرائيلي.
كيف يتعاطى الحزب مع هدنة الـ 48 ساعة؟
لا تعير قيادة الحزب هذا الطرح الاهتمام المطلوب إذ لا تزال على ثابتة “وقف نهائي لاطلاق النار في غزة ونقطة على السطر”، ولو كانت هذه الهدنة محصورة بالجنوب ومطروحة من دون الحدث الساخن في غزة لتمّ الأخذ بها.
ويرى الحزب ان الطروحات غير المدروسة والتي تصدر عن سياسيين وعسكريين اسرائيليين ترجع الى “نتيجة حالة التخبط التي يعيشونها” حيال تعاطيهم مع جبهة الجنوب، وان الهمّ الابرز الذي يسيطر على اجندتهم هو “ازمة المستوطنين في الشمال وكيفية اعادتهم الى منازلهم” والتي لن يتبلور اي حل لها قبل وقف نهائي للنار في قطاع غزة.
وكان موضوع المستوطنين في الشمال في صلب اجتماعات وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو مع نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، مع التلويح المستمر للأخيرين بحرب واسعة ضد “حزب الله” اذا فشلت القنوات الديبلوماسية التي لا يظهر انها ستجترح شيئا حتى الآن.
وبعد وضوح موقف الحزب وربط تجميد آلته العسكرية بوقف الحرب في غزة، فان هدنة الـ 48 ساعة تولد على شكل “خدعة” بغية احراج قيادة الحزب في حال سريان مثل هذه الهدنة واستمرار الجيش الاسرائيلي في عدوانه ضد الفلسطينيين.

وثمة اسئلة تطرح حول مسألة ما المانع من ان تقدِم الوحدات الاسرائيلية العسكرية على استهداف غزة بوتيرة نارية أعلى بغية احراج الحزب في هدنة مفخخة سترتد سلباً عليه في حال التزامه بها، لانه سيظهر في هذه الحالة انه تخلى عن شرطه لوقف اطلاق النار في غزة، فضلاً عن نجاح اسرائيل في تلاعبها بمعنويات ابناء الجنوب لاظهار الحزب انه في موقع غير المسؤول وغير المكترث بأرواح اللبنانيين وممتلكاتهم. ومن غير المستغرب ان يأتي جواب الحزب على هذه “الهدنة” بأن مواصفاتها غير صالحة ولن تسلك طريقها الى التطبيق في ميدان المواجهة المفتوحة بين الطرفين الى حين نجاح مفاوضات غير مباشرة بينهما تؤدي الى إحياء القرار 1701 الذي يشكل ملاذ الخلاص لهما اذا قررا عدم الدخول في مواجهة ضخمة على غرار تجربة تموز 2006، في وقت يستغل نتنياهو كل نقطة تصب في مصلحته لجرّ الحزب وكل لبنان الى أتون الحرب التي يعتاش على نيرانها، وليخرج في موقع البطل والمنقذ في عيون الاسرائيليين. لكن “حزب الله” يتجنب منذ السابع من اكتوبر الفائت الوقوع في حسابات خاطئة قدر الامكان لئلا يمنحه ميدالية هذا الانتصار.

Exit mobile version