أحمد بهجة
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على انكشاف الكارثة المالية في لبنان، وبعد انسداد كلّ الدروب أمام أيّ حلّ أو بداية حلّ لهذه الأزمة المعقدة والمركّبة والمزمنة، رغم بعض المحاولات التي لم يُكتب لها النجاح، وأبرزها خطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرّتها حكومة الرئيس البروفيسور حسان دياب في آخر نيسان 2020، والتي اعترضتها معوقات كثيرة حالت دون إقرارها في مجلس النواب، وتحديداً في لجنة المال والموازنة النيابية.
بعد كلّ هذا الوقت، وبعد ما واجهه اللبنانيون من معاناة ومصاعب، تستعدّ حكومة تصريف الأعمال الحالية لدراسة مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، وهذا بالطبع أمر إيجابي جداً، وكما يقول المثل “أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”، مع العلم أنّ ما يُكتب على الورق يكون جميلاً في غالب الأحيان، لكن تبقى العبرة في التنفيذ وفي التفاصيل التي يكون فيها عادة شيطان واحد، أما في حالتنا اللبنانية فهناك آلاف الشياطين كامنة في تفاصيل أزماتنا المتراكمة منذ مطلع التسعينات إلى اليوم.
خلال الأسبوع الماضي تمّ الكشف إعلامياً عن مشروع قانون جرى إعداده بجهد مشترك بين الحكومة ممثلة بنائب رئيسها الدكتور سعادة الشامي ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. يهدف مشروع القانون هذا إلى “معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها”، على أن يدرسه مجلس الوزراء في جلسة قريبة تمهيداً لإرساله الى مجلس النواب.
تضمّن المشروع موادّ خاصة بكيفية ردّ الودائع أبرزها:
ـ تعود كاملة الى أصحابها الودائع في المصارف الأجنبية العاملة في لبنان.
ـ كلّ وديعة تفوق 500 ألف دولار على صاحبها إثبات شرعيتها سواء أكان مصدرها الداخل أم الخارج، ولا سيما الإفصاحات الضريبية الخاصة بها.
ـ على المصرفيين التصريح عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة في الداخل والخارج اعتباراً من 2015.
ـ على الموظف العام الذي في حسابه 300 ألف دولار وما فوق إثبات مشروعية أمواله.
ـ إعادة فائض أرباح المصارف والمصرفيين ومكافآتهم وغيرها من الامتيازات التي تزيد عن المتوسط المصرفي العام، وذلك منذ 2016.
ـ استعادة كلّ مبلغ يزيد على 100 ألف دولار هرّبه صاحبه الى الخارج.
ـ الودائع غير المؤهّلة هي التي تكوّنت بعد 17 تشرين 2019 بتحاويل وشيكّات وغيرها من الأدوات والعمليات.
ـ المبلغ المحمي من الودائع المؤهّلة حتى 100 ألف دولار، ومن غير المؤهّلة حتى 36 ألف دولار. تدفع المبالغ لأصحابها مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف.
ـ ينزل من المبلغ المحمي سحوبات وتحويلات وما سدّد من قروض بالليرة وكلّ الأموال المقبوضة وفق تعاميم مصرف لبنان، خصوصاً مثل تعميم 158.
ـ تسدّد الودائع المؤهّلة في مدى 10 الى 15 سنة بدءاً من 300 دولار، ثم ترتفع الى 800، وغير المؤهّلة تسدّد بين 10 و15 سنة أيضاً بدءاً من 200 ثم صعوداً الى 400.
ـ الودائع المؤهّلة التي تزيد على 100 ألف دولار تحسم منها الفوائد من 2015، ويسدّد جزء، اختيارياً إذا قبل العميل، بالليرة بقيمة 20% من سعر الصرف، وبتحويل ودائع الى أسهم بمعادلة 5 دولارات تساوي دولاراً، وبالنسبة لغير المؤهّلة 10 دولارات مقابل دولار…
طبعاً هناك بنود تفصيلية أخرى في هذا المشروع، ومن الضروري جداً مناقشته وإقراره في مجلسي الوزراء والنواب في أقرب وقت، لأنّ الخروج من الأوضاع الحالية المتردّية وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية في البلد، يقتضي وجود قطاع مصرفي فاعل لأنّ القاعدة تقول “ان لا اقتصاد دون قطاع مصرفي ولا نمو دون قطاع خاص.
ولا بدّ في هذا المجال من الأخذ في عين الاعتبار ما تطرحه الجمعيات والهيئات التي تمثل المودعين، خاصة لجهة حماية كلّ الودائع وليس أجزاء منها فقط، على أنّ الأهمّ يبقى في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وليس كما هي العادة في لبنان أن يكون الصيف والشتاء على سطح واحد، بمعنى أن يستعيد بعض أصحاب الحظوة ودائعهم كاملة فيما يستغرق الآخرون أكثر من نصف قرن حتى يستعيدوها، هذا إذا لم يأكلها التضخم وإذا بقي أصحابها على قيد الحياة.
تبقى نقطة أخيرة وهي المفترض أن تكون نقطة أولى، بمعنى أنّ المعالجة يجب أن تبدأ بمحاسبة ومحاكمة كلّ من تسبّب بحصول هذه الكارثة، ونعني تحديداً حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وكلّ مَن معه من سياسيين وأصحاب مصارف وإعلاميين ورجال دين، وكلّ مَن لا يزال يوفر له الحماية بعد انتهاء ولايته، لأنّ استعادة الأموال المنهوبة منذ مطلع التسعينات إلى اليوم يوفر على البلد وناسه الكثير من الوقت الذي يجب أن نكسبه ونستثمره لتحقيق التنمية والنمو…
*خبير مالي واقتصادي