كتب د قصي الحسين في “اللواء”:
ربما تكون حرب الـ66 يوما الأخيرة، خاتمة الأحزان، إذا استطعنا أن نتوحّد على الدستور والقوانين والصيغة والقرارات الدولية، وخصوصا منها القرار 1701، والقرار 1559.
هكذا يؤمل اللبنانيون بعدما أحرقت الأرض بهم، وبعدما تهدّم الحجر على رؤوسهم، بعد كل هذا الغدر الذي غدر بهم من العدو الإسرائيلي، ومن أصحاب الذرائع وأصحاب السوابق، وأصحاب الأذرع، فقد كانوا شركاء جريمة نكراء واحدة، أوقعت بالبلاد، فقتلت الآلاف وشرّدت الملايين، وكبّدت البلاد المليارات من الخسائر المادية، وأغرقت الشعب، كما البلاد، بالمديونيات، التي لا قبل لهم بها، ولم تجرّ عليهم، في تاريخهم الطويل مع جميع ما أطنبت آذانهم، من العنتريات الرعناء، والتي أوصلت البلاد، إلى ما وصلت إليه.
هذه الحرب الأخيرة، كانت ألأم الحروب عليهم. فقد مهّد لها بأسباب كثيرة: دشنتها ثورة 19- ت1 العام 2018. ثم تداعت العملة الوطنية، ووقع لبنان في الكارثة الكبرى، وصار الإنهيار العام، وطارت الودائع من جميع المصارف دفعة واحدة. ثم بوشر برجم لبنان، فكان الحجر الأول، هو إنفجار المرفأ، في الرابع من آب 2020، وكان عام كورونا التي حجرت على البلاد، وقطعت أوصالها، وخرج الجلاوزة إلى أعمالهم في التهريب والفساد، وفي الثراء غير المشروع، ثم بدأ الفراغ يعمُّ جميع المراكز، فذهب رئيس الجمهورية إلى بيته، وشغرت الرئاسة، وأطفئت الأنوار في قصر بعبدا، واستقالت الحكومة بعد الانتخابات اللبنانية، فصارت حكومة تصريف أعمال، والبلاد قد إنكبت للذقن.
ثم ذر الشغور قرنه، في جميع المراكز الإدارية، وسجل غياب وزراء عن الجلسات الحكومية، لأسباب حزبية وشخصانية وشخصية. وأخذ مبدأ التكليف والتمديد، يعمُّ المراكز الأولى: في مصرف لبنان، وفي الأمن العام، وفي قيادة الجيش، وفي كثير من المراكز، التي تندّ عنا الإحاطة بها وإحصائها، لكثرة الموظفين الذين بلغوا السن القانونية، ولم تتمكن الحكومة من تعيين بدلاء عنهم. وصارت مقاعد البدلاء تأخذ في الإهتزاز، عند كل مناسبة أليمة، ولدى أي ظرف طارئ من الظروف.
لأول مرة، يشعر المسيحيون أنهم أحرجوا فأخرجوا من الحكم. ولأول مرة، يشعر أهل السنّة، أنهم أحرجوا فأخرجوا من الحكم. ولأول مرة في تاريخ لبنان القديم والحديث، توجه إلى الثنائي الشيعي، سهام الاتهام: بأنهم استولوا على الحكم في البلاد بفائض القوة، وصاروا يعيّنون الأتباع في جميع المراكز الحسّاسة: مراكز القرار السياسي، ومراكز الإدارة المدنية، ومراكز الإدارة غير المدنية. وصار رئيس المجلس النيابي، رئيسا على البلاد، بالمباشر وبالمواربة، ومن خلال الإمساك بدفّة تكليف البدلاء في جميع وظائف الفئة الأولى..
توجه الثنائي أيضا وحده، لحرب الإسناد، دون إستشارة ممثلي الشعب، ولا قيادة الجيش، رغم قولهم بشعار الجيش والشعب والمقاومة، دون الإلتفات أو الإهتمام برأي سائر الطوائف، ولا برأي سائر المرجعيات. لم يأبه للأصوات التي صارت تندّد بحرب الإسناد، والتي صارت تكيل لها الاتهامات من العيار الثقيل. صارت حرب الإسناد حرب لبنان، أما رئيس الحكومة، فقد نأى عنها، بأسلوبه الخاص.
مشى الثنائي إلى حرب الإسناد بكل عزيمة وإصرار وثبات. وصار يقدّم للعدو الذرائع، واحدة بعد أخرى. ثم يجلس مجلس الحكماء وأصحاب الرأي والحكمة: بأن العدو لا يحتاج إلى ذريعة، ليشنّ حربه على لبنان. مما كان يقوّي حجج الطوائف الأخرى عليه، وقوى المعارضة التي كانت تحتل المنابر، ويعلو صوتها يوما بعد يوم وتصير إلى الاحتجاج العلني والصريح، والاحتجاج المكتوم والمكتم.
ومثلما كانت تعظّم حرب الإسناد في عيون الثنائي يوما بعد يوم، كانت المعارضة من الطوائف الأخرى، تسير بالتنديد بها على قدم وساق. وكما كان الثنائي، يباهي بحرب الإسناد، وأنها ضرورية للبلاد عموم البلاد، حتى يردع العدو عن السير بأطماعه إلى لبنان. كانت المعارضة من جميع الطوائف، تعلن على رؤوس الأشهاد، أن الثنائي يجرُّ الدمار والخراب والحرائق، ويفجّر بحرب الإسناد أنهار الدماء في عموم البلاد.
كل شيء في لبنان، كان يهيّئ لإسرائيل، أن تقوم بما قامت به، في السابع عشر من أيلول 2024، وحتى وقف إطلاق النار في السابع والعشرين من تشرين-2024. جاء حجم الدمار، فوق ما كانت تظنه الظنون. وقد جزم الكثيرون من مجانين السياسة، ومن عقلاء المجانين، أنها كانت حربا، لم تجرِ على قلب بشر. يكفي أنها أتت على الضاحية الجنوبية كلها، وأنها أتت على جنوب الليطاني كله، وأنها أتت أيضا وأيضا على كل الشعب اللبناني من الحدود إلى الحدود.
حقا بات الناس جميعا اليوم، يمضغون سؤالا واحدا: ماذا نحن فاعلون، إزاء كل هذا الدمار، كل هذا الخراب، كل هذه الخسائر في الأرواح وفي الأموال؟
إليهم جميعا يمكننا أن نقول: ما علينا إلّا نسيان الأحزان، وأن ننهض قومة رجل واحد في ورشة التعويض وفي ورشة الإعمار. فالشعب اللبناني، مثل الشعب الياباني، لا تركعه الخسائر، ولا تحطمه الزلازل، ولا يجرفه الطوفان. الشعب اللبناني ثابت كالطود في أرضه، شامخ شموخ الأرز، مهما عاورته الأحداث، ومهما عاوره الزمان!