نسف المنازل المضيافة: العدو «يطوّر» الإبادة الجماعية
كتب يوسف فارس في “الأخبار”:
قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية، فجر أمس، منزلاً لعائلة علوش في شارع غزة القديم في حي جباليا البلد شمالي القطاع، ما تسبّب باستشهاد 37 شخصاً وإصابة العشرات في المنزل المكوّن من عدة طبقات، والذي تحوّل، أسوة بالمئات من المنازل، إلى محطة إيواء مؤقتة تحوي العشرات من العائلات. وقبل ذلك، كان جيش العدو قد قصف ثلاثة منازل لعائلات المبحوح وصالحة والمصري في المناطق المحاصرة، ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات من المواطنين.
هكذا، أضحى هذا النسق من القتل المتعمَّد، الشكل الأبرز للإبادة الجماعية في هذه المرحلة من عمر الحرب، حيث يستغل جيش العدو الطبيعة الاجتماعية المترابطة بين السكان، ويعمد إلى قتل أعداد كبيرة من الأهالي في ضربة واحدة. وفي هذا الإطار، يقول الحاج أبو محمد الرضيع، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «كل العائلات تفتح أبواب منازلها لاستقبال الجيران المهدّمة بيوتهم، في اللحظات الحرجة والخطيرة، والناس بتقرب من بعض وتستمد القوة والصبر من بعضها». لكنه يتابع أنه «منذ بداية التوغل الأخير، لاحظنا أن ما رفع أعداد الشهداء إلى قرابة 2000 شهيد في خلال شهر واحد، هو أن العدو يتعمّد قصف المنازل المضيافة، وهذا ما يفسر استشهاد العشرات من عائلات مختلفة في منزل واحد».
وكان جيش العدو ارتكب، نهاية الشهر الماضي، واحدة من أكبر المجازر الجماعية منذ بداية العام الحالي، حيث قصف منزلاً لعائلة أبو نصر في منطقة مشروع بيت لاهيا، كان يؤوي أكثر من 300 نازح، ما أدى إلى استشهاد وإصابة 270 نازحاً. وفي أعقاب ذلك، تكررت الحادثة ذاتها في شارع الهوجا وسط مخيم جباليا ومنطقة اليمن السعيد. ووفقاً للحاج أبي محمد دواس الذي نزح من جباليا أخيراً، فإن أحد الجنود قال للنازحين، وهم في طريق الخروج من المخيم، إن «من قرر البقاء في شمال القطاع سيموت مقتولاً تحت سقف منزله». ويتابع دواس، في حديثه إلى «الأخبار»: «صار الجندي يغني وين الملايين ويضحك بكل سخرية، وقال ودّعتم من بقي في جباليا وبيت لاهيا، كلهم رح نقتلهم بالمدفعية داخل بيوتهم إلي صامدين فيها».
مجاعة جماعية تلوح في الأفق في شمال قطاع غزة
هذا النسق المتقدّم من الإجرام، والذي يغيب ذكره في معظم الصحف ووسائل الإعلام العربية، وصفه رئيس تحرير جريدة «هآرتس» العبرية، عاموس شوكين، بأنه واحد من أشكال جرائم الحرب والإبادة الجماعية، قائلاً في مقال نشره أمس: «تبدو منطقة شمال غزة كما لو أن كارثة طبيعية قد حدثت فيها، يجب أن نسمّي الأمور بمسمياتها، فما يحدث في شمال غزة عملية تطهير يقوم بها قادة الجيش الإسرائيلي بقيادة رئيس الأركان هرتسي هاليفي وقائد القيادة الجنوبية يارون فينكلمان، والذين يخضعون لتوجيهات المستوى السياسي المتمثل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو المسؤول عن جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش في شمال غزة باسم حرب النهضة: وهي طرد الفلسطينيين وهدم منازلهم وإعداد الأرض لاحتلال طويل واستيطان يهودي».
وفي خضمّ ذلك، أكّد مدير مستشفى «كمال عدوان»، حسام أبو صفية، أن الأوضاع في شمال القطاع تتجه إلى المجاعة الجماعية، حيث بدأت تصل إلى المستشفى حالات سوء تغذية من الأطفال والبالغين، وسط نقص حاد في المواد الغذائية، وهجوم منهجي على النظام الصحي. ومن جهته، طالب مفوّض «الأونروا»، فيليب لازاريني، بالسماح بدخول الإمدادات الإنسانية والتجارية إلى شمال القطاع باستمرار، وبإرادة سياسية.