كتب كمال ذبيان في “الديار”:
لا تغيب الديبلوماسية الروسية عن لبنان، الذي تعتبره ومنذ عقود احدى الدول الفاعلة في المنطقة ، لانه ساحة صراع مصالح ومحاور ومشاريع لموقعه الجيو- سياسي، ولتركيبة مجتمعه الطائفية التي استحضرت دولا اليه منذ منتصف القرن التاسع عشر، فخضعت طوائفه ومذاهبه لوصايات او حمايات بموجب “بروتوكول” صيغ في العام 1964 بعد حروب، او ما اطلق عليها ارتكاب مجازر بين الدروز والموارنة بدأت في العام 1840 وتوقفت بعد اكثر من عقدين، وكانت روسيا احدى الدول التي شملت بوصايتها او حمايتها الطائفة الارثوذكسية التي لها في موسكو بطريركية.
فروسيا دخلت لبنان منذ ايام القياصرة، واتت الى البحر الابيض المتوسط منذ ذلك الزمان، وهي التي كانت تسعى الى المياه الدافئة.
فالوجود الروسي السياسي استمر مع الحقبة السوفياتية، وتحول لبنان الى ساحة صراع في الحرب الباردة بين القطبين العالميين اميركا والاتحاد السوفياتي، الذي ظهر لاعبا في لبنان منذ ستينات القرن الماضي حتى انهياره مطلع تسعينات ذاك القرن، لكن الاتحاد الروسي عاد ليكون له دور ايضا، وهو له قاعدة بحرية في طرطوس ومعاهدة صداقة وتعاون مع سوريا، حيث هب الكرملين لمنع سقوطها كدولة ونظام ،وحضر بجيشه للدفاع عنها وعن نفسه ايضا بوجه الجماعات الارهابية الاسلامية المتطرفة، التي لم تسلم روسيا من خطرها والجرائم التي ارتكبتها بحق المواطنين الروس.
من هنا ، فان روسيا تعطي اهمية للبنان كحديقة خلفية لسوريا، وكدولة على حدود فلسطين المحتلة تمكنت المقاومة فيه من تحرير ارضها والصمود بوجه الاعتداءات الاسرائيلية، وردع الكيان الصهيوني عن تنفيذ حرب واسعة عليه كما في زمن ولى، اذ جاءت مساندة المقاومة الاسلامية في لبنان لغزة بوجه العدوان الاسرائيلي عليها، ليحضر لبنان كاحد ابرز واقوى ساحات محور المقاومة التي تخوض مواجهات عسكرية مع العدو الاسرائيلي، فاوجعته وكبدته خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية، وما زالت تعده بمفاجآت ان وسّع الحرب.
في ظل الحرب الدائرة في المنطقة، والتي قد تتوسع في اي وقت وتصبح اقليمية، حضر الى لبنان وبشكل مفاجىء ودون مقدمات، المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي فلاديمير سافرونكوف ، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، وكان لوزير الخارجية سيرغي لافروف كلمة رفض فيها استمرار الحرب المدمرة على غزة، وحمّل اميركا مسؤولية عدم وقفها.
والتقى الموفد الروسي كلا من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ومسؤولين، ولم يحمل معه مبادرة او مشروعا ما ، بل يمكن وصف الزيارة بالاستطلاعية وفق مصدر تابع الزيارة التي دامت لوقت قصير، شدد خلالها سافرونكوف على موقف بلاده امام بري وميقاتي على ضرورة قيام حوار وطني يوصل الى حل الازمات التي تعصف بلبنان ،وابرزها في هذه المرحلة الشغور في رئاسة الجمهورية والذي ينعكس سلبا على انتظام عمل المؤسسات الدستورية، وان روسيا تشجع على انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، وهي لا تتدخل في هذا الاستحقاق اللبناني كما دول اخرى، لكنها مستعدة لتقديم كل ما يساعد لبنان على النهوض من ازمته.
ولاقى اقتراح الموفد الروسي للحوار تأييد بري الذي اكد له انه هو من اقترح الحوار قبل نحو سنة، وخاض تجارب حوارية بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية، وشكر له دعوته للحوار، وتمنى عليه حث من يقف ضده وهم قلة للقبول، وفق المصدر الذي كشف عن ان سافرونكوف لم يبحث بمواضيع اخرى لا سيما الوضع في الجنوب، الذي يعلم ان الهدوء على جبهته مرتبط بوقف الحرب على غزة ، وهو نقل الى بري وميقاتي موقف دولته المؤيدة، لا بل الساعية الى وقف الحرب التي هي مفتاح الحل وهو غير متوفر لا عند الاميركيين ولا “الاسرائيليين”.
فالزيارة الديبلوماسية الروسية لا تقع في اطار المبادرة التي لم يطرحها المبعوث الروسي، والذي لم يعقد مؤتمرا صحافيا حول زيارته ولقاءاته، كم ان الاعلام مر عليها كخبر دون تعليقات، بل يمكن وصفها باثبات حضور ديبلوماسي، وان روسيا مهتمة بلبنان وهو موجود على مفكرتها، وكل ما تريده هو ان يستمر التواصل والحوار بين اللبنانيين، وعدم الوقوع في انقسامات سياسية حادة توتر الوضع اللبناني ، الذي تغيب فيه رئاسة الجمهورية وتتعمق فيه الخلافات التي قد تتصاعد، وهو ما قد يهدد الامن والاستقرار في ظل حرب في الجنوب بين المقاومة و”اسرائيل”.