كتب كمال ذبيان في “الديار”:
تنتشر بين فترة واخرى الاخبار عن تشييع للقتلى من ضباط وجنود “اسرائيليين” من طائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة، مما يخلق حالة من الارباك وخلافا حول هؤلاء القتلى، الذين تم تجنيدهم في جيش الاحتلال الاسرائيلي، اذ فرض على الدروز الفلسطينيين من خلال قانون صدر عام 1956 يلزمهم الالتحاق بالجيش “الاسرائيلي” تحت مسمى “الخدمة الالزامية”، بعد ان كان صدر في تموز 1949 مرسوم التجنيد عن وزارة الدفاع “الاسرائيلية”، وبعد حوالى عام على نشوء الكيان الصهيوني ، وشمل التجنيد الدروز والشركس والبدو، وطلب الجيش ضم 4520 مجندا فالتحق نحو 4 آلاف منهم.
ولم يلاق التجنيد الالزامي للشباب الدرزي بسن 18 عاما التجاوب، الا من بعض من تعاملوا مع العدو الاسرائيلي، وابرزهم امين ابو ركن ويوسف العيسمي، وكلاهما بدأت الاتصالات بينهما والمنظمات الصهيونية في ثلاثينات من القرن الماضي، حيث كشفت تقارير المخابرات “الاسرائيلية” عن العلاقة التي بدأت مع افراد من الدروز، وقيام “تحالف الاقليات” مع الشركس والبدو.
“تحالف الاقليات” هو ما كان مخططا له من الحركة الصهيونية، وانشئت وزارة له بعد اغتصاب فلسطين، كما نشأت “وحدة الاقليات” في الجيش “الاسرائيلي”، لكن التجنيد في هذا الجيش لقي رفضا من قبل اكثرية ابناء الطائفة الدرزية وعلى رأسها مشايخها وفي مقدمهم الشيخ امين طريف، ونشأت مبادرات وقامت تحركات ترفض التجنيد الالزامي، ومنها حركة الشيخ فرهود فرهود عام 1970 . وانطلقت مجموعات درزية ترفع شعارات “ارفض… شعبك يحميك”، “نحن حراس الارض مش حرس حدود”، اذ كانت الاكثرية الساحقة هي المتصدية للتجنيد ، وكلف ذلك البعض السجن والتعذيب ومصادرة الاراضي الخ….
فالواقع الدرزي في فلسطين المحتلة هو مساندة المقاومة الفلسطينية، وليس كما ينقله بعض وسائل الاعلام من معلومات كاذبة وبث الشائعات وخلق صراعات داخل طائفة الموحدين في فلسطين المحتلة، حيث ترتفع نسبة الشباب الدرزي الذي يرفض التجنيد او القيام بمهمات عسكرية ضد الفلسطينيين الذين ينتمي الدروز اليهم، حيث كشف تقرير صدر عن مؤتمر “هرتسيليا” بأن 54% من الدروز يرفضون التجنيد وفق دراسة جامعة حيفا.
والدروز البالغ عددهم نحو 143 الفا في فلسطين المحتلة، ويشكلون 1.6% من سكانها و7.6 من الفلسطينيين، ويتوزعون على 16 بلدة في الجليل الاعلى والكرمل، لهم معاناة مع السلطات “الاسرائيلية” التي تعاملهم بدونية، وبأنهم طبقة ثانية ولا تعترف بحقوق لهم. فبات رفضهم للتجنيد الالزامي عن قناعة وطنية وقومية وانسانية، وشكل موقفهم هذا احراجا وارتباكا للحكومات “الاسرائيلية” المتعاقبة، وفق ما تنقل مصادر مطلعة عن مراجع درزية سياسية ودينية في فلسطين المحتلة، اذ حركت الانتفاضة التي اندلعت في العام 1987 وسميت بـ “الحجارة” دروز فلسطين، وشهروا موقف رفض قمع الانتفاضة والفرار من الجيش والشرطة “الاسرائيلية”. واعلن احد محركي رفض التجنيد غالب سيف هو وابناؤه الالتحاق وتسبب ذلك بالاضطهاد والاعتقال، وناشد النقيب في الجيش “الاسرائيلي” عمير جمال ابناء طائفته عدم الانضمام الى هذا الجيش تطوعا او الزاميا، في وقت دخل عمر زهر الدين السجن وهو ابن 18 عاما على الالتحاق بالخدمة الالزامية.
وعزز هذا التحرك محاصرة المتعاملين مع العدو الاسرائيلي، والضغط على الملتحقين بالجيش ان لا يشاركوا بالقتال ضد المقاومة الفلسطينية. وظهر ذلك في الحروب التي خاضها جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة منذ العام 2008 حتى العام 2021 ، وهذا ما يتكرر في الحرب الحالية، اذ تحدثت معلومات من داخل البلدات في الجليل الاعلى والكرمل عن تزايد عدد الرافضين الالتحاق بالحرب، حيث يحاول رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو استمالة المجندين الدروز، واعلن بان “اخواننا الدروز يعملون على حفظ الامن الاسرائيلي، وستعزز مكانتهم في الجيش الاسرائيلي”.
فمع الاغراءات “الاسرائيلية”، لم يقدم الشباب الدرزي على الالتحاق بجيش العدو، الذي يعاني من حالات فرار وتمرد وازمات نفسية وانتحار، وارتفاع عدد القتلى في صفوفه، الذي فاق 450 بين ضابط وجندي، ومنهم نحو 20 مجنداً درزياً، كان آخرهم وسيم محمود الذي اقيم له تشييع في بلدته بيت جن في الجولان المحتل، وحضرت الوزيرة “الاسرائيلية” معزية، وناشدها والد القتيل بان يستمر الجيش “الاسرائيلي” في القتال حتى القضاء على حماس، ولف النعش بالعلم “الاسرائيلي”، وسار وراءه مشيعون حملوا صورا للشهيد كمال جنبلاط وسلطان باشا الاطرش، مما جعل رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط يدين هذا العمل، واعتبر ما حصل اهانة لبطلين عربيين.
هذا الموقف لجنبلاط الاب، يأتي في سياق نهجه مع دروز فلسطين لرفض الالتحاق بالتجنيد الالزامي، وقام بمبادرة في عام 2001، حيث التقى بوفد منهم في الاردن وحثهم على عدم المشاركة في قمع “انتفاضة الحجارة”، كما التقى بوفد منهم في لارنكا منذ حوالى العام، وقبل عملية “طوفان الاقصى” التي حياها جنبلاط ووقف الى جانب “كتائب القسّام”، التي حرّكت المسألة الفلسطينية عالمياً، وانه بالمقاومة تتحرر فلسطين مع سقوط كل التسويات.
موقف جنبلاط القومي المنطلق من تاريخ نطالي، ورثه عن والده، لاقاه فيه رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني الامير طلال ارسلان، الذي تابع ملف دروز فلسطين وكلف الشهيد صالح العريضي به، من خلال الشيخ علي المعدي وآخرين من مؤسسي “المبادرة الدرزية”، مما ادى الى ازدياد حملة رفض ليس التجنيد الالزامي، بل الاحتلال “الاسرائيلي” لفلسطين، وان الدروز ليسوا متعاونين معه، بل قلة من العملاء وفق آخر الاحصاءات.
فالدروز في تاريخهم الحديث والقديم، كانوا طليعة المدافعين عن الثغور بوجه حملة الصليبيين او “الفرنجة” على الشرق، ومنه فلسطين، كما قاوموا الاستعمار الفرنسي بقيادة سلطان باشا الاطرش، وهم شاركوا في انتفاضات الجولان المحتل، ورفضوا تهويده وضمه ونيل الهوية “الاسرائيلية”.
من هنا، فان افرادا في الجيش “الاسرائيلي” لا يمثلون طائفة الموحدين الدروز، التي كان لها في لبنان وسوريا مواقف متضامنة مع المقاومة الفلسطينية ،وضد حرب الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وعبر عن ذلك مشايخ العقل، كما الزعماء السياسيون، لان التاريخ صنو الجغرافيا.