رضوان عقيل
في انتظار الاستشارات النيابية الملزمة الخميس المقبل تنشط حركة الاتصالات بين الكتل والنواب المستقلين بغية بلورة اسم الرئيس المكلف والمؤهل في هذه المرحلة.
ولا يبدو في ملعب الترشيحات حتى الان ان اسما يتقدم الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يتعامل مع هذه المهمة من باب الغنج، لأن المرحلة لا تستدعي هذا النوع من الدلال السياسي في وقت يتجه البلد نحو مزيد من الانهيارات.
وتجري اكثر من كتلة الى مجموعة النواب المستقلين اكثر من اتصال مع ميقاتي الذي يكرر على مسامعهم أنه لن يتأخر في تأدية هذه المهمة الوطنية. ولا يكتفي بهذا الجواب بل يقرنه بالقول انه اذا توافرت المواصفات المطلوبة في شخصية سنية فلن يعمل على وضع العصي في طريقها، بل على العكس سيكون في مقدم من يدعمها. ويبقى على موقفه بأنه لن يتهرب من الواجب الذي تقتضي المصلحة الوطنية الركون اليه. ويأمل في المقابل، لا بل يتمنى ان تتوافر جملة من المعطيات والعناصر التي تتطلب تضافر جهود الجميع في هذا التوقيت، او بالأحرى العدد الاكبر منهم، بغية التعاون لاخراج البلد من ازماته، مع ضرورة استمرار المعارضة البناءة والحفاظ عليها بهدف تصويب عمل اي حكومة بغض النظر عن مكوناتها ورئيسها.
هذا هو موقف ميقاتي ورؤيته للحكومة المقبلة، حيث لن يتساهل في قبول هذه المهمة او وضع شروط عليه من هنا وهناك. والى موعد الاستشارات لا تغيب لغة الارقام التي ستخلص اليها هذه الاستشارات، وهو ما يحسبه سائر النواب سواء كانوا من المستقلين او المنضوين في كتل وتكتلات.
لا يدخل ميقاتي في لعبة الرقم الذي سيحصل عليه في الاستشارات، ولكن اذا لم يكن عند طموحه فقد يكون له موقف من قبول التسمية او رفضها. وسيسعى عند تسميته الى اشراك العدد الاكبر من الافرقاء في الحكومة على قاعدة ان عملية الانقاذ تحتاج الى تضافر جهود الجميع.
وفي معرض مواقف الافرقاء والكتل النيابية من ميقاتي يظهر الآتي:
- لا يسمع من الرئيس ميشال عون الا كل الكلام والمواقف الايجابية. وهذا ما يتلقاه كلما زار بعبدا، ولكن في اليوم التالي وفي مرات عدة تتبدل مواقف الرئاسة الاولى بعد تدخلات مكشوفة من النائب جبران باسيل إذ يقدِم على تبديل رأي رئيس الجمهورية. ومن هنا يعتزم ميقاتي توجيه رسالة الى كل من يهمه الامر وليس من باب التهديد او ممارسة سياسة التعقيد او وضع العصي في طريق التأليف بعدم فرض شروط او طلب امور لا يمكن تحقيقها في الحكومة المقبلة. ولا يتغاضى بالطبع عن حجم تكتل “لبنان القوي” وحضوره في البيئة المسيحية.
- يتلقى ميقاتي من “القوات اللبنانية” اشارات ايجابية، وهي تعترف بموقعه لدى مكونه وعند الآخرين ولو لم تبدُ انها ستؤيده، لكنه يرى ان من المناسب ان تشارك في الحكومة انطلاقا من موقعها التمثيلي في البرلمان. صحيح ان “القوات” خارج الحكومة الحالية لكن اكثر نوابها لا ينقطعون عن التواصل والتشاور مع رئيس الحكومة المقبلة.
- اما بالنسبة الى الحزب التقدمي فمن المرجح ان ينتهي المطاف به الى تسمية ميقاتي لاكثر من سبب، علما ان ثمة ملاحظات لدى الاشتراكي لا توفر ميقاتي من جراء عدم حسم الحكومة ملف الكهرباء. وفي المناسبة كانت تجربة الوزير عباس الحلبي جيدة مع ميقاتي حول اكثر من ملف رغم حجم الضغوط وقلة الامكانات المالية في وزارة التربية. ولا يتوقف النائبان أكرم شهيب ووائل أبو فاعور عن الاتصالات المفتوحة مع ميقاتي ونقلهما الرسائل بينه وبين رئيس الحزب وليد جنبلاط الذي سيسمي الوزيرين الدرزيين في الحكومة المقبلة.
- اما على خط الشيعة فلا يخفي الرئيس نبيه بري و”حزب الله” تأييدهما لاستمرار ميقاتي في السرايا، وهما لا يخالفان رؤيته في نوعية الوزراء في الحكومة ويقولون من غير الحزبيين، على عكس باسيل الذي يفضل ان تكون الحكومة مطعّمة بسياسيين. ويأتي موقف العونيين هنا من باب التوقف عند حلول اليوم الاخير من ولاية رئيس الجمهورية وما اذا لم يُنجز البرلمان انتخاب الرئيس الخلف في الموعد الدستوري. ويستغرب ميقاتي مثل هذا الكلام حيث يشدد على مسألة اجراء الاستحقاق، وهو لا يرغب في الوصول الى حكومة من دون وجود رئيس للبلاد، الامر الذي سيجلب المزيد من الازمات.
هذه هي خريطة توزع القوى والكتل حيال ميقاتي وتأييدها له او عدمه، ولا سيما من طرف النواب “التغييريين” وعدد من المستقلين.
لكن ما يستند اليه هو ان العدد الاكبر من النواب السنّة يشاطرونه الرأي ويعملون على تسميته مع عدم التقليل من شأن كلمة الرئيس سعد الحريري وتأثيره غير المباشر في الاستشارات وإن كان لا يملك كتلة نيابية في شكل ظاهر. ولا تتوقف الاتصالات المفتوحة بينه وبين ميقاتي. ولن يكون زعيم “تيار المستقبل” مرتاحا لوصول رئيس الى السرايا لا يعبّر عن الوجدان السنّي، الى ضرورة تمتعه بالمواصفات المطلوبة لهذا المنصب.
- اما على مستوى الخارج، فثمة اكثر من جهة تؤيد بقاء ميقاتي في السرايا. ولا صحة بحسب جهات مواكبة لسياسة الاليزيه أن الفرنسيين لا يتحمسون لميقاتي. كما لا ينقصه الدعم الظاهر من زعماء عرب في مقدمهم العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني الذي لم يقصّر مع واشنطن في التخفيف قدر الامكان من ضغوط سياساتها حيال لبنان. ويبقى السؤال الاكبر موجها نحو السعودية والتدقيق في موقفها من ميقاتي. ويأتي الجواب من مصادر متابعة بأن المملكة اذا كانت لا تقبل به رئيسا للحكومة إلا انها لا ترفع الفيتو في وجهه. وتضيف ان ثمة رأيين ينظران الى ميقاتي في الحلقة السياسية الضيقة في المملكة. يقول الاول ان لا فائدة من التعاون مع ميقاتي وليترك وشأنه في إدارة حكومته حيث يتم الاعتراض عليه منذ العام 2011 الى اليوم من جراء تعاونه مع “حزب الله”. وينطلق الرأي الثاني وهو الاقوى في المملكة ويعرف حقيقة الصعوبات التي تواجه ميقاتي، ويعرف في الوقت نفسه انه لا يلبي سياسات “الحزب” الذي لا مهرب من التعاطي معه انطلاقا من حكم تمثيله لمكونه وحضوره الشعبي، وهذا ما أثبته في الانتخابات.