كان يكفي الانقسام الحاد بين الأقطاب السياسية كافة، ليبرز الى الواجهة خلاف حول ما تبقى من حكومة مشلولة الصلاحيات مشكوك في ميثاقيتها، ففي الواقع لابد من حكومة تدير الأزمات ولكن في الحقيقة تحولت لتشتت بين الأقطاب السياسية الممثلة فيها، وصولا الى ضرب الميثاقية هذا إن وجدت أصلا، وباتت تشبه كل شيء الا حكومة لإدارة الأزمات، فكيف يبدو المشهد فيما لو حصلت الجلسة الحكومية، فالرئيس ميقاتي وبالتأكيد لم يتخذ هكذا قرار إلا بعد موافقة عين التينة وحليفه الأساسي، والا وقد تكون بذلك قد حصلت مشورة من الرئيس بري، بأن الثنائي ماض في حضور جلسة يوم الإثنين، ويكون بذلك قد تأمن نصاب الثلثين، وإلا لن يكون هناك جلسة لولا ضمانات حصل عليها الرئيس ميقاتي من المايسترو ومدبر الأمور ألا وهو الرئيس نبيه بري.
واذا اردنا ان نوصف المشهد، ونضعه في إطاره التحليلي فلا بد من التوقف عند موقف التيار من كل ما يجري، بعد السقوف المرتفعة التي وضعها جبران باسيل فيما يخص انعقاد الجلسة الحكومية، فهل كل ذلك يدل على المخاض الأخير في الصراع الداخلي قبل التسوية الخارجية، ليكون كل ذلك لعبة فولكلورية ليس الا، مع بعض الانفراجات لعوامل ملحة قد تضطر الحكومة مجتمعة، ويكون بذلك الجامع الأساسي هو المصلحة المشتركة بين الأقطاب كافة، بما فيها التيار الوطني الحر فيما لو كان له مصلحة بذلك، إن كان على صعيد داخلي لتمرير مقتضياتها الذاتية و”المصلحجية” خاصة في بعض الملفات الأمنية التي تعنى بالمؤسسات العسكرية لضرورة ترجمتها على أرض الواقع منعا للإنفلات الأمني، وإن كان ربطًا بالخارج الذي ينتظر رص الصفوف داخليا، وتماهيًا مع العناية الفاتيكانية التي خصها الحبر الأعظم للبنان عبر طرح الأفكار الرعوية لجميع اللبنانيين دون تفريق، وصولا الى المبادرة الفرنسية التي كانت على طاولة البحث بين ماكرون وبايدن.
كل ذلك سيبقى ضمن الكادر الأساس الذي يحفظ داخله ما تبقى من كيان لبناني منقسم على نفسه ضمن محاصصة وانقسام عمودي بين أقطابه الطائفيين، والمتسلقين على أوجاع قلوب نخرها سوس لا يمكن اقتلاعه الا بتغيير المفهوم العام السائد بين اللبنانيين، والقائم على شبه دولة فارغة من اي مؤسسات تشريعية، ورقابية، حتى أن الجسم القضائي فيها متحلل لا حول له ولا قوة، وبات الفساد ميزان العدل طابشًا.