الاخبار الرئيسيةمقالات

موازنة 2024: إنتظام وإنجاز في عزّ الأزمات

ايمن العمر

الموازنة العامّة لأي بلد هي القاطرة الدّافعة لعمل المؤسسات والإدارات العامّة وتقييم إنتاجيّة المنشآت والمرافق العامة، وهي مؤشر عن مدى فعّالية الخدمات العامة وحسن سير مؤسسات الدولة بكل تصنيفاتها وأنواعها المدنية والعسكرية. وأن يتم إعداد موازنة في بلد يعاني من أسوأ 3 أزمات على مستوى العالم، وانهيار تام في كل مقوّماته المالية والاقتصادية، وتفكك في القطاع العام وفراغ في مؤسساته الدستوريّة، فهذا بحدّ ذاته إنجار يُسجّل لوزارة المال وللحكومة مجتمعة. وهذا يعطي أكبر الأدلّة عن أهمّية قيام الحكومة بمهام تصريف الأعمال بما يلزم لتسيير مصالح وشؤون البلاد والعباد. وإن إعداد الموازنة يعني تشغيل كل محركات الدولة، وبغيابها تنطفأ هذه المحرّكات، وتسير الدولة خبط عشواء وعرجاء.
لا لقاعدة الأثني عشريّة
أقرّت المادّة 86 من الدستور اللبناني قاعدة الإثني عشرية وهي إجراء دستوري يجيز للحكومة الإنفاق من أجل تسيير المرافق والإدارات العامة، وهو إجراء استثنائي يتم اللجوء إليه ضمن شروط معينة أهمها أن الإنفاق يحدث وفق هذه القاعدة لشهر واحد فحسب وهو شهر كانون الثاني وليسس عن السنة كاملة. ولم يكن ببال المشرّع عدم إقرار الموازنة بعد هذه المدّة. ما حدث منذ العام 2006 وحتى إقرار أول موازنة بعد هذا التاريخ في العام 2018 هو مجزرة ماليّة بكل ما للكلمة من معنى. حيث تمّ مخالفة الدستور اللبناني لسنوات طويلة ومع حكومات متعاقبة رغم الازدهار التي سادت في تك الفترات وخاصة بين عاميّ 2009 و2011 وبلوغ النمو في ذك الوقت مستويات قياسيّة. ولكن الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة استمرأت السير وفق قاعدة الإثني ومخالفة الدستور، بالإضافة إلى تخطي الإنفاق العام هذه القاعدة وزيادة العجز المالي، حيث تجاوز الإنفاق بين 2005 -2009 حوالي 16,234 مليار ليرة أي ما يعادل 11 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي في ذلك الوقت. لذلك مهما تضمن مشروع موازنة 2024 من مساوئ وسلبيات، تكمن أهمية إعدادها أنها تسيّر الدولة وفق مواد وأبواب مالية لناحية الواردات والنفقات واضحة ومحدّدة، بدل من مخالفة الدستور وتطبيق قاعدة الإثنيّ عشرية وفتح الباب للإهدار والفساد.
الدولة تعني الدستور والقانون
حدّد الستور اللبناني آليات المالية العامة وانتظامها، وإن الالتزام بها هو مؤشر عن حالة صحيّة تعيشها المؤسسات العامة للبلاد. فقد حدّدت المادة 83 من الدستور تاريخ إعداد الحكومة للموازنة وتقديمها: ” كل سنة في بدء عقد تشرین الأول، تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ویقترع على الموازنة بنداً بند”. ومع انتهاء إقرار الحكومة للموازنة وتقديمها إلى مجلس النوّاب ضمن المهلة الدستورية رغم كل الصعاب والعقبات، يُعتبر هذا إنجازًا يُضاف إلى قائمة إنجازات هذه الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي.
الدّولرة ليست شرًّا بالمطلق
ليس صحيحًا ما يُقال ويُشاع أن مندرجات الموازنة سيئة وتحمل مفاعيل كارثيّة وخاصة فيما يتعلّق بدولرة بعض الرسوم والضرائب. المادة 23 في الفصل الثالث من الموازنة المرتبط بالتعديلات الضريبيبة، أشارت إلى استيفاء الرسوم بالليرة اللبنانية بمعنى أن الأصل في الرسوم هو تحديد قيمتها بالليرة اللبنانية، ولكن استثنت منها بعض الرسوم، على سبيل المثال: حصّة الدولة اللبنانية من قطاع استخراج النفط ومشتقّاته بالعملة الأجنبيّة ومن إيرادات كازينو لبنان التي يحققها بالعملات الأجنبيّة. وفي ذلك جانبًا إيجابيًّا مهمًّا، إذ تحصل الدولة حينها ومن مواردها الخاصّة على عملات أجنبيّة دون اللجوء إلى بيع سندات الخزينة أو الهندسات المالية أو من الاقتراض من منظمات أو دول ما، وما يرتّب عليها من دين وفوائد، وفي ذلك تغيير حقيقي للعقلية التي كانت تُدار بها المالية العامة.
تنويع موارد الخزينة
ومن حسنات هذه الموازنة التنويع في الموارد المالية لرفد خزينة الدولة من أجل تمويل الإنفاق العام دون اللجوء إلى الاستدانة والاقتراض، إذ إن معظم الدول تعتمد في ذلك بالدرجة الأولى على الضرائب والرسوم المجباة من مواطنيها. وإذا أخذنا الولايات المتحدة مثالًا نجد أن معظم الإيرادات التي تجمعها الحكومة الأمريكية تأتي من مساهمات دافعي الضرائب الأفراد والشركات الصغيرة، والشركات من خلال الضرائب. وتتكون المصادر الإضافية للإيرادات الضريبية من الضريبة الانتقائية، والضريبة العقارية، والضرائب والرسوم الأخرى. حتى الآن وفي السنة المالية 2023، شكّلت ضرائب الدخل الفردي في الولايات المتحدة 50% من إجمالي الإيرادات بينما شكلت ضرائب الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية 37% منها.

مقالات ذات صلة
زر الذهاب إلى الأعلى