كتب نبيه برجي في “الديار”:
منذ الخمسينات من القرن الماضي، والطائرات “الاسرائيلية” تختال في أجوائنا. الآن مسيّرة لبنانية فوق منزل رئيس وزراء “اسرائيل”. غداة كلمة السيد حسن نصرالله، وقد أعقبت عملية اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر، كان عنوان مقالنا “نصرالله: رأسك يا نتنياهو”.
هذا هو الثأر الحقيقي. الرأس الكبير مقابل رأس كبير، ولسوف يكون بالحدث التاريخي. أي عملية أخرى لا يمكن أن يكون لها الصدى ذاته، ألا اذا كان مفاعل ديمونا (وأتصور أن هذا بين الأهداف). ما رأيكم بايتامار بن غفير وبسلئيل سموتريتش. هذان ذئبان للضوضاء أو للغوغاء.
ليس صحيحاً أن زعيم “الليكود” رهين هذين الرجلين، الخارجين للتو من كهف “يهوه”، أكثر وحشية وأكثر نرجسية منهما. انه ابن بن صهيون نتنياهو، التلميذ الروحي والسياسي لزئيف جابوتنسكي، رجل “الصهيونية التصحيحية” الذي قال باقتلاع العرب مثلما تقتلع الأرواح الشريرة. صاحب القول الشهير “لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا وتلك أيضاً”.
نتنياهو، الرجل الذي كسر أنف جو بايدن، بل وأذلّ كل الولايات المتحدة حين رأينا كل رجال الادارة يأتون اليه صاغرين بسلال الوعود، ليناشدونه القبول بوقف الحرب لأن توسيعها يعني أن الأميركيين سيخرجون حفاة من الشرق الأوسط. السيناتور بيرني ساندرز سأل “من يحترم أميركا بعد اليوم”؟ سواء توقفت النار أم لم تتوقف. أمام ذلك الرجل أميركا أمبراطورية من ورق.
مهزلة أن يقال أن الأميركيين، سواء كانوا من البيت الأبيض أو من آرلنغتون (مقر البنتاغون) أو من لانغلي (مقر وكالة الاستخبارات المركزية)، جاؤوا للضغط على رئيس الحكومة “الاسرائيلية”. هو يعلم من يحكم أميركا من وراء الستار. انهم رجاله داخل الدولة العميقة. هؤلاء يعتبرون أنه لولا الدولة العبرية لما كان هناك أي وجود للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكانت حقول النفط اما بيد أسامة بن لادن أو بيد أبي بكر البغدادي.
بعدما كانت الاستخبارات البريطانية وراء صناعة ذلك النوع من الاسلام (وقيل ابحثوا عن الجرذ الأنكليزي داخل طربوش حسن البنا)، حلت محلها الاستخبارات الأميركية التي حولت كهوف تورا بورا الى خنادق لقتال الجنود السوفيات، قبل أن يضرب الاسلاميون اياهم رمز العظمة الأميركية في مانهاتن. المثير هنا أن الولايات المتحدة التي تدّعي ملاحقتهم في سوريا على سبيل المثال، ما زات تتعامل معهم في عمليات تكتيكية. هل شاهدتم “داعشياً” قتل “اسرائيلياً” واحداً…؟
منذ أن ألقى دوايت ايزنهاور خطبة الوداع، والرؤساء الأميركيون كـ”أحصنة أورشليم” يتعاملون مع “اسرائيل” كوديعة (أو كصنيعة) الهية، أو كوديعة (أو كصنيعة) أميركية. النظرة مختلفة الى كل الدول العربية، لا سيما الدول الحليفة التي كان يصفها ريتشارد بيرل وبكل فظاظة بـ”عربات القطار” أياً كانت هوية القاطرة. الآن أميركية بالقواعد التي تجثم على الأرض، وبالأساطيل التي ترابط في البحر. كل تلك الأسلحة التي بتريليونات الدولارات لا تعدو كونها الخردة غير القابلة للاستعمال.
ثمة رئيس واحد غرد خارج السرب هو جون كنيدي، الذي ما ان قرر ايفاد بعثة الى “اسرائيل” للكشف على مفاعل ديمونا، حتى سقط على كتف زوجته برصاصة في الرأس.
هكذا كان للفيسلوف اليهودي الأميركي ليو شتراوس أن يثني على من “صنعوا تلك الرؤوس الصدئة في الشرق الأوسط”، والتي تتابع من وراء الزجاج (وككائنات زجاجية على كل حال) عشرات آلاف الجثث ـ جثث الأشقاء ـ المكدسة في العراء. لا خروج لا من ليالي ألف ليلة وليلة، ولا من أقبية القرون الوسطى.
لاحظوا المفارقة المثيرة هنا حين يقول ريان كروكر، الديبلوماسي المخضرم والذي عمل في المنطقة العربية، “لا بد من أن تعترينا الدهشة حين نرى بنيامين نتينياهو يجرنا الى حرب كبرى في الشرق الأوسط، كما لو أننا سرب من البط في بحيرة كاناوكي في نيويورك، ليتفرغ فلاديمير بوتين للشرق الأوروبي، وليتفرغ شي جين بينغ للشرق الآسيوي”.
في هذه الحال، لم يعد السؤال “من يحترم أميركا”؟ التي تتعامل مع الكرة الأرضية كمستعمرة أميركية. السؤال “من يخاف من أميركا”؟ حين تسقط بين يدي رجل بكل مواصفات النرجسية والزبائنية السياسية.
لن نخاف من أميركا، حتى ولو تماهينا مع الكثير من أساليب الحياة فيها. ليت الرؤوس الصدئة في منطقتنا العربية تهتز قليلاً، ترتفع قليلاً…