كتبت مريم نسر في “الديار”:
عندما كان يُحيي أهل المقاومة ذكرى عاشوراء من كل عام، لم يكن في بالهم أنها ستتكرر معهم بتفاصيلها، رغم إيمانهم الراسخ بها واعتبارهم أن مسيرتهم امتدادٌ لها، بل كانوا يعتقدون أن مقاومتهم بقائدها ورجالها ستَصنع ملحمة جديدة، تتحدث عنها الأجيال لسنوات طويلة قادمة، تماماً ككربلاء يتحقق النصر فيها، لكن دون استشهاد القائد.
لطالما كانت بيئة المقاومة تَرى في السيد حسن نصرالله حسين العصر بِرايته ونُصرته للحق والمستضعفين، لكن لم تكن ترى يوماً شهادته، رغم أنها بحسب معتقداتها، تُتوِّج مسيرته المقاوِمة ويُكرّمه الله بها، كانت ترى الخلاص على يده، وقدرته على تغيير مجرى التاريخ، بحيث أنه يسير أمامهم ويوصلهم الى بر الأمان بيده.
على مر التاريخ لم تمر علاقة بين قائد وشعبه كعلاقة السيد نصرالله بشعب المقاومة، علاقة متبادَلة من الحب والثقة والإحترام، ارتبط النصر بإسمه ووجوده، صحيح أنهم يُقاتلون من أجل قضية، لكن وصلت الأمور بهم الى حد اعتباره أنه هو القضية وهو الأمة بأكملها، لذا لم يكن يوم إعلان استشهاده يوماً متوقعاً، ولم يكن يوماً عادياً، لربما كان يوماً خارج الزمن.
عاش شعب المقاومة لحظات وأياماً وسنوات لا تُنسى مع سيّدها، مشوا معه من نصر الى نصر، شعروا معه بالعزة والفخر وتنعّموا بالأمان، تجمعهم معه العاطفة والعقل والتاريخ والحاضر، والكثير الكثير من الإنتصارات التي عاشوها والتي ينتظرونها كمسار طبيعي لنهج اختاروه بملء إرادتهم، وسيَستمرون به مهما كانت التضحيات، كيف لا وهذا ما علّمهم إياه قائدهم..
حتى اللحظة لم يُصدِّق شعب المقاومة أن سيّدهم لم يعد موجوداً بينهم بجسده… حتى اللحظة ينتظرون إطلالته عليهم يُهدِّد الصهاينة ويُطمئنهم… حتى اللحظة يرونه يُطل عليهم بخطاب النصر ويُخاطبهم “يا أشرف الناس”، حتى اللحظة ينتظرون تنفيذ وعده لهم بالصلاة في القدس… حتى اللحظة ينتظرون تكذيب الخبر ويقولون له نُسامحكَ على كل القهر والأسى والحزن والألم الذي شعرنا به لحظة سماعه..
أما الآن.. وفي الواقع الحالي، فلا خيار أمام شعب المقاومة سوى الثبات والإستمرار بذات النهج وبروح أقوى، باقون على العهد، فلا مجال للضعف ولا مجال للتراجع عن خط المقاومة وفكرها وأهدافها وصولاً الى النصر الموعود، فكل إحباط أو يأس يُعتبر خيانة لسماحة السيد، وهذا ليس من شِيَم شعبه الوفي والمخلص له، كما عهدهم من البدايات وحتى آخر النهايات..