كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
بين العمل لوقف الحرب في لبنان وإحياء ملف الأزمة في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية، ترتفع آمال قوى سياسية في التحوّل الأميركي مع إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وإن كانت إدارة الرئيس جو بايدن لم تقصّر في ما تعتبره «رعاية» لبنان
مع انتهاء الانتخابات الأميركية، تتعامل القوى السياسية على اختلافها مع انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه محطة فاصلة بين مرحلتين، في ظل رؤيتين متناقضتين حيال تأثير سياسة الفريق الجديد في البيت الأبيض على مستقبل لبنان.
ليست الحرب وحدها هي المقصودة، وإن كانت أولوية مطلقة، إنما كذلك ما بعد الحرب لجهة إعادة ترتيب الوضع السياسي وإجراء انتخابات رئاسية.
لا شك في أن الفريق الذي يعلّق آمالاً على مجيء ترامب لا يبالغ كثيراً في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء حين أُبرم اتفاق داخلي، بموافقة إيران، لانتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016 قبل شهر من الانتخابات التي فاز بها ترامب على المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، على اعتبار أن الاستطلاعات كانت ترجّح فوز الأخيرة. اليوم، وإن اختلف الوضع اللبناني لجهة الحرب الدائرة، إلا أن واقع حزب الله في المعادلة العسكرية الداخلية والإقليمية يمكن أن يثير ارتياحاً مع مجيء ترامب وفريقه لجهة تمسك هذا الفريق بكل ما يعني سيادة لبنان ومنع تأثيرات إيران فيه. والتعويل على الفريق الجديد نابع من أن رؤية ترامب تجاه إيران، منذ ولايته الأولى، ستكون عاملاً مؤثراً في تعاطيه مع دورها في المنطقة ولبنان ضمناً، والحدّ من نفوذها فيه، ولا سيما بعدما تحوّل المشهد الإقليمي الحالي إلى صراع إسرائيلي – إيراني بما يتخطّى القضية الفلسطينية، وقد يجرّ المنطقة الى حرب واسعة.
في المقابل، تعرف دوائر أميركية من الإدارة الحالية أن هناك تعويلاً لافتاً على تصوير أن الرئيس الآتي سيكون أكثر دعماً للبنان، كما أن هناك رغبة تتعدّى لبنان الى جهات إقليمية ودولية تتعاطى مع ترامب على أنه سيكون أكثر دعماً لإسرائيل، في حربها ضد إيران وحزب الله، علماً أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تقصّر أبداً في وقوفها إلى جانب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول، ولا في التعاون مع التحالف الدولي لمنع استهدافها بالصواريخ، ولا في مدّها بالسلاح، أو في تغطيتها بإرسال مساعدات عسكرية وتثبيت نقاط قوة بحرية في المنطقة. ورغم كل ما قيل عن تباينات أميركية – إسرائيلية، إلا أن الواقع أن واشنطن لم تكفّ عن التعامل بإيجابية مع ما تنفذه إسرائيل من عمليات، سواء ضد حماس أو حزب الله وبتأييد مطلق، محيّدة نفسها فحسب عن استهداف المدنيين، داعية إلى الحفاظ على سلامتهم.
المسار الذي اعتمدته إدارة بايدن في لبنان ودعماً لإسرائيل سيشكّل حجر الزاوية في المرحلة الجديدة
أما لبنانياً، فبايدن تسلّم الرئاسة عام 2020 إبان وجود الرئيس عون في قصر بعبدا، ولم يكن معنيّاً بالتسوية التي أتت به إلى القصر الجمهوري. لكن إدارته ظلّت على تماس إيجابي مع الوضع اللبناني، ولا سيما لجهة المفاوضات التي أدت الى الترسيم البحري في نهاية عهد عون، أو استمرار المساعدات للجيش اللبناني. لكن النقطة الأكثر أهمية التي حافظ البيت الأبيض عليها، هي أن لبنان بقي ملفاً حيوياً في الأجندة الأميركية، وفي علاقات واشنطن بالدول المعنية كالسعودية وفرنسا ولقاءات اللجنة الثلاثية، ومن ثم الخماسية، وفي الاتصالات مع الفاتيكان حيث ساهمت «كاثوليكية» بايدن في نسج رابط فاتيكاني – أميركي للحفاظ على لبنان. وفي السنتين الأخيرتين تحديداً، أبقت هذه الإدارة على وتيرة تصاعدية في التعاطي مع إيران في المفاوضات غير المباشرة بينهما، متمسكة بعدم السماح لها بقبض أيّ أثمان إقليمية من التفاوض على حساب لبنان. هذا الأمر استمر الى أن حصلت حرب الإسناد، ما جعل الإدارة الأميركية تضاعف رسائلها التفاوضية إلى لبنان الرسمي وإلى حزب الله بأن إسرائيل لن تمتنع عن الرد على الحزب، وعلى الأخير أن يفصل بين غزة ولبنان، وأن الدور الإيراني مرشح لأن يتقلّص أكثر. إضافة الى أن الإدارة الحالية عملت في شكل جدّي على ضبط إيقاع الضربات الإسرائيلية وتحييد المرافق الأساسية عن برنامج التدمير الإسرائيلي واستهدافاته.
هذا المسار الذي اعتمدته إدارة بايدن في لبنان ودعماً لإسرائيل في حربها مع حماس وحزب الله وإيران، سيشكّل حجر الزاوية في المرحلة الأميركية الجديدة. انتهاء تأثير الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما وفريقه في رسم حسابات في الشرق الأوسط، من إيران إلى سوريا، سيترك بصمة واضحة في طيّ مرحلة أساسية من السياسة الخارجية الأميركية التي يُتّهم أوباما بأنه ساهم في إضعافها في الشرق الأوسط، وتغليب دور دول غير حليفة لواشنطن، ما يعيد تثبيت الدوائر العميقة التي ترسم السياسة الخارجية، وهذه المرة مع فريق مغاير عن فريق بايدن، في تفكيره وفي استراتيجيته الطويلة الأمد للمنطقة، بناءً على تجارب سابقة من مرحلة حضور إدارة ترامب الأولى في دول الخليج العربي ومع إسرائيل. أما لبنانياً، فإنّ ما بُني على مفاوضات لوقف النار، مرشح لأن يستمر في إيقاع قد يكون أكثر تشدداً في ظل الوقائع الإسرائيلية التي تريد ترجمة ما حققته تل أبيب من وجهة نظرها على الأرض في مفاوضات ترفض فيها بشدة العودة الى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين الأول عام 2023. وأيّ مفاوضات قد تدخل فيها الإدارة الجديدة تتمّ على وقع تعويل لبناني، في بيروت وواشنطن، على إحداث تأثيرات مباشرة وسريعة في وقف الحرب، مع الانتقال في خطٍّ موازٍ إلى البحث في ملف الرئاسة، بعدما انتفى بعض الخوف السابق من عملية مقايضة «ديموقراطية» محتملة مع إيران، علماً أن هذا البحث لم يغب إلى الأيام القليلة التي سبقت انتخاب ترامب عن نقاشات في واشنطن وفي دول أوروبية فاعلة، ليس عن طريق تحضير سلّة متكاملة للحل، بل لوضع بعض القواعد الأولية تمهيداً للكلام الجدّي.