من البطريرك الحويك الى البطريرك الراعي.. ماذا تغيّر؟!
كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
بات واضحاً أنّ البعض يعيش واقعاً مُختلفاً كُليّاً عمّا يجري من أحداث في المنطقة، أو ما يجري في جنوب لبنان، بل ما زال يعتبر أنّ إمكانية فصل لبنان عن محيطه شيء سهل تحقيقه، إذ منذ نشأة “لبنان الكبير” وما قام به البطريرك الحويك، الذي كان نتيجة تفاهمات قبل الإعلان عن “دولة لبنان الكبير”، كان لسلطة الانتداب الفرنسي والبريطاني دور هام، ودخل لبنان في حصّة الانتداب الفرنسي، الذي انقسم أمامه ممثلو البلد إلى فريقين الأول يريد إقامة “دولة لبنان الكبير” ذات الأكثرية المسيحية، والفريق آخر يُريد توسيع حدود الدولة لتضم بيروت وطرابلس وعكار، لكن لعب الفرنسي دوراً بارزاً للتوحيد بين الفريقين، وحصّل موافقة “الدولة الفرنسية”، ومنذ ذلك التاريخ من العام 1919 كانت الأحزاب والقوى منقسمة على بعضها حتى أنّ البعض كان يريد حُكماً تحت الانتداب الفرنسي.
دعمت بريطانيا التيار العروبي، وفرنسا التيار السوري ولاحقاً اللبناني، هذا باختصار كل ما كان عليه لبنان في تلك الحقبة، ومنذ ذلك الحين لم يتغيّر شيء، سوى أنّ بعض الأحزاب المذهبية أصبح نفوذها أقوى ممّا كانت عليه، بل فاعلة ومؤثّرة على الكنيسة المارونية، في وقت كانت البطريركية الراعية تستند في سلطتها إلى الانتداب والدول الكبرى التي كانت تسيطر على الأرض بعد سقوط الدولة العثمانية، والتاريخ الحاضر ينسجم مع كل ما كان سائداً في الماضي، في ظل فارق بسيط لرؤية تحكم البيئة الحاضنة لكل فريق في الداخل اللبناني، وبصورة أكبر لمشهدٍ مُستجّدٍ فرض نفسه بفعل محور نشأ نتيجة خلافات دولية حصلت، وسقوط بعض الأنظمة ما أدّى إلى تراجع نفوذ دول وإبعادها عن القرارات بعد سقوط مَنْ كانوا يتربّعون على العروش.
ولا نستغرب اليوم، أنّ المملكة الروحيّة المسيحيّة المارونيّة، والمملكة الروحيّة الإسلاميّة الشيعيّة، التي تفرض كل منهما رأياً مقتنعه به، حتى تفرض ما لديها من سياسات تتماشى مع سياسة أحزابها وبيئتها التي هي الأخرى تؤثّر تأثيراً مُباشراً عليهما في كل محطة من المحطات، واليوم في ظل الصراع المفتوح مع الكيان الصهيوني بات الجميع يتّخذ مِتراساً يرى من خلاله مَنْ وراءه، أنّه البوصلة والتوجّه الحالي يفرض نفسه بأن يكون لبنان بعيداً عمّا يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزّة تحديداً، وبما أنّ “الدول الطائفيّة الصغيرة” التي حكمت لبنان، ما زالت متجذّرة فيه ومؤثّرة في قراراته الحالية، فإنّ هذا التأثير يمتد ليتسبّب بشكل مباشر في إحداث انقسام فاعل بين الأطراف اللبنانيين أنفسهم المتمترسين وراء المعطيات التي يمتلكونها، والذين يشتد عصبهم من خلال توجّهات أحزابهم وتياراتهم وبيئتهم.
أما وقد استجدّت حالة فاعلة نشأت نتيجة احتلال أراضٍ عربية، وفي طليعتها فلسطين، فإنّ الملفت هو أنّ دول القرار – آنذاك – التي رسمت الحدود وأعطت للكيان المغتصب دولة حملت اسم “إسرائيل”، اصطدمت اليوم بأنّ قوى المقاومة تحوّلت إلى “بيئة حاضنة متكاملة” تمثّل أكثرية ساحقة استعادت أرضها التي انتزعتها بالقوّة من الاحتلال، وفرضت واقعاً جديداً أجبر بعض الدول التي سبق وانحازت للصهيونية العالمية على حساب شعوب المنطقة.