ملحمة الخيام… المقاومة تكتب التاريخ وتحدّد مضمون المفاوضات المقبلة

ملحمة الخيام… المقاومة تكتب التاريخ وتحدّد مضمون المفاوضات المقبلة

كتب حسن حردان في “البناء”:

المقاومة تصنع كلّ يوم ملحمة جديدة من ملاحم البطولة وتكتب من خلالها تاريخاً جديداً للأمة، تتعلّم منه الأجيال كيف يتمّ الدفاع عن الأوطان ويُردع العدوان ويُصنع النصر…

ففي الوقت الذي كان فيه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يرفض وقف النار ويُصرّ على مواصلة الحرب لتحقيق أهدافه الطامحة لإنهاء المقاومة، ونزع سلاحها، وإعادة لبنان إلى العصر «الإسرائيلي»… كانت المقاومة تردّ على طريقتها على هذا التجبّر والعتوّ والعدوانية الصهيونية.. وتثبت للعدو والصديق، أنها قادرة على تبديد أوهام وأحلام نتنياهو، وتحطيم غروره ونشوة انتصاره التي لا يزال يعيش فيها منذ اغتيال القادة في المقاومة، متناسياً الوقائع المستجدة في ميادين القتال وكيف يواجه جنوده من قوات النخبة فخاخ المقاومين وتصدّيهم القوي والشرس لكلّ محاولات تقدّمهم، والخسائر الكبيرة التي يوقعونها في صفوف جنود العدو ودباباته… وإجبارهم على التراجع والانسحاب من حيث أتوا.. على أنّ ما فاجأ جنود العدو في بلدة الخيام، انّ المقاومين لا يغادرون الميدان، بل انهم يهاجمون إلى جانب استبسالهم في الدفاع، ولا يعرفون من أين خرج المقاومون لمواجهتهم، على اثر قيام الطيران الصهيوني بقصف منطقة تواجدهم بعنف شديد والفوسفور، بحيث من المستحيل ان يبقى أحد على قيد الحياة، لضمان السيطرة عليها بسهولة.. لكن ما ان تقدّم جنود العدو مع بعض آلياتهم نحو المنطقة التي دمّرها الطيران، حتى ظهر رجال المقاومة من مكان كانوا قد نصبوا فيه كميناً محكماً، وفتكوا بجنود العدو فتكاً.. على أنّ ذلك أحدث حالة من الفزع والخوف بين جنود العدو دفع بعضهم للهرب باتجاه بلدة الخيام لأمتار فقط، قبل ان يستدركوا ويهربوا مع من تبقى منهم من حيث قدموا، حاملين معهم قتلاهم وجرحاهم من الميدان..

هذه النتيجة لنحو أربعة أيام متتالية من محاولات العدو للسيطرة على بلدة الخيام او الوصول إلى وسط البلد، دفعت قيادة جيش الاحتلال في اليوم الرابع من المعارك القاسية والصعبة، والخسائر الفادحة، إلى أخذ قرار الانسحاب من جنوب وشرق البلدة ومعهم آلياتهم المدمرة.. هذا مثال من الأمثلة على البطولات الأسطورية التي يجسّدها المقاومون في القرى الأمامية التي استعصت على جنود العدو رغم ما يملكونه من تفوّق في القدرات وسيطرة جوية كاملة على مسرح المعارك.. غير أنه عندما يصبح القتال بين المقاومين وجنود العدو من مسافة صفر ينتفي معها دور الطيران، ويصبح التفوّق للمقاومين الذين يملكون القضية العادلة والإيمان والعقيدة وروح الاستشهاد والكفاءات والمهارات والخبرات القتالية.. فيصنعون الملاحم ويحققون النصر تلو النصر، الذي لا بدّ أن يقود في النهاية إلى الانتصار الكبير على العدوان وإجبار العدو على التراجع عن أهدافه، والرضوخ لشروط لبنان ومقاومته لوقف النار…

هذه التطورات الميدانية التي تثبت بأس المقاومين وثباتهم في الميدان، ونجاحهم في إدخال جيش الاحتلال في حالة من الارتباك والتخبّط والشعور بالعجز وعدم القدرة على تجاوز الحافة الأمامية وزحزحة المقاومين عن مواقعهم في القرى والتلال الحاكمة.. ترافقت أيضاً مع اشتداد وتكثيف قصف المقاومة لمواقع جيش الاحتلال في المستعمرات المحاذية للحدود، وصولاً إلى مدن ومستعمرات الشمال والوسط، واستهداف مواقع حساسة وحيوية بالصواريخ النوعية والمُسيّرات الانقضاضية التي باتت هاجس الكيان كله بعد أن فشلت منظومات دفاعه الجوي في اعتراضها ومنع أغلبها من الوصول إلى أهدافها.. مما أدّى الى تأكيد قدرة المقاومة على إحباط أهداف نتنياهو في وقف صواريخها ومُسيّراتها، وتحقيق الأمن للصهاينة، عدا عن الإخفاق في إعادة النازحين منهم الى مستعمراتهم في الشمال، او الحيلولة دون نزوح مستوطنين جدد، او تأمين الأمن لاستئناف التدريس في مدن ومستعمرات الشمال، حيث اضطرت وزارة التعليم والبلديات إلى اتخاذ قرار بالتعليم عن بعد لفقدان الأمن، فيما اتخذت شرطة العدو قراراً بمنع التجمعات في كل المناطق..

على أنّ هذه النتائج من الفشل والإخفاق في ميدان الحرب البرية، او على مستوى حماية أمن الكيان والمستوطنين، بدأت تؤدي الى تفكك الإجماع الصهيوني حول الحرب، الذي ساد اثر الإنجازات التكتيكية التي حققها جيش الاحتلال بالاغتيالات، حيث أظهر آخر استطلاع نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، إنّ أغلبية 55 بالمائة تطالب الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على خطة مرحلية لتبادل الأسرى، مقابل 30 بالمائة أيدوا مواصلة الضغط العسكري على حماس.. أما بما خصّ الحرب في الشمال، فقد أيد 45 بالمائة الخطة الآخذة بالتبلور بشأن إنهاء الحرب على لبنان، فيما رأى 33 بالمائة ان على الجيش الإسرائيلي البقاء في منطقة حزام أمني في جنوب لبنان، ولم يعبّر 22 بالمائة عن موقفهم..

أما بخصوص رأي الخبراء والقادة الأمنيين الإسرائيليين السابقين، فقد رأوا أنّ «اسرائيل» لا تملك القدرة على تفكيك أو هزيمة حزب الله.. وأبرز هؤلاء الخبير في شؤون الأمن القومي الاسرائيلي اللواء احتياط كوبي ماروم، الذي أكد أنّ «إسرائيل» لن تستطيع تفكيك أو هزيمة حزب الله، لأنها لا تمتلك القدرة على ذلك. وأضاف أنّ «إسرائيل» تواجه أياماً حرجة، وقتالاً صعباً جداً، في المواجهات مع حزب الله. كما، تواجه بعد 13 شهراً من الحرب، تداعيات هائلة على صعيد الجيش والاحتياط والاقتصاد، حيث تصل كلفة كلّ يوم من الحرب إلى حوالي مليار شيكل، وهذا كثير على «إسرائيل».

من جانبه، أكد قائد منظومة الدفاع الجوي السابق، العميد احتياط تسفيكا حاييموفيتش، عدم صحة الحديث الإسرائيلي عن خسائر حزب الله، مؤكداً أنّ الأرقام التي يتمّ الحديث عنها في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كاذبة. وأضاف أن ّزعم وزير الحرب يوآف غالانت، بأنّ حزب الله خسر جزءاً كبيراً من صواريخه ومُسيّراته، غير دقيق، والحقيقة هي أنّ حزب الله لا يزال يمتلك ما يكفي من القدرات العسكرية التي تسمح له بخوض حرب استنزاف لمدة سنة على الأقلّ، وهذا يؤكد أنه سيكون للحرب أثمان باهظة.

بدوره، أكد قائد الفيلق الشمالي سابقاً، اللواء احتياط نوعام تيفون، ضرورة التوصل إلى تسوية مع لبنان، محذراً من أنّ حزب الله راكم الثقة بالنفس، ولديه القدرة على ضرب «إسرائيل» وإلحاق المزيد من الإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي.
من هنا فإنه مع كلّ يوم تستمرّ فيه الحرب، في ظلّ ارتفاع الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية، والفشل في تحقيق الأهداف «الإسرائيلية»، فإنّ هذه الغالبية الضئيلة من «الإسرائيليين» التي باتت تؤيد إنهاء الحرب سوف تزداد، ويشتدّ معها الضغط على حكومة نتنياهو.

Exit mobile version