كتبت رندلى جبور في موقع “الجريدة”:
سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والجميع نفض يديه. أما الأسد فغادر وحيداً.
مَن يقاتل؟ وبِمَن يقاتل؟ ومع مَن يقاتل؟
بغياب الأجوبة على هذه الثلاثية، وعند إنهاك دولته الخارجة من حرب دامت ثلاثة عشر عاماً، وفي ظل حرب عالمية عليه، ووسط زمن غادر، فضّل حقن الدماء في وطنه، وضّب حقيبته الخالية إلا مِن الخيبات والتعب والأحمال الثقيلة، ورحل…
كان رحيله ذاك مُقرّراً أميركياً وإسرائيلياً مذ قال “لا” لوزير الخارجية الأميركية كولن باول عقب احتلال العراق في العام 2003، حين أتى المسؤول الأميركي ليعرض عليه التخلي عن المقاومة بوجه “إسرائيل” وقطع شريان تغذيتها بالسلاح والعتاد… رفضُه آنذاك فَتَح عليه باب جهنم.
تشلّع الباب، وانفتحت النيران من كل مكان بعنوان “إسقاط الديكتاتورية”، فكسّروا البيت فوق رأسه، وغذّوا التطرّف في وجهه ووسّعوا الشرخ بين المناطق والناس، ومع ذلك صمد، مدعوماً خصوصاً من روسيا وإيران و”حزب الله”.
ولكن، بقي المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي قائماً لإزالة هذا المركز الرئيسي للعروبة المعادية لـ”إسرائيل”.
أتت الفرصة المناسبة مرة جديدة في مرحلة الاستشراس على المقاومات، دولاً وحركات، منذ “طوفان الأقصى” وحتى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، بحيث كان المجال أمام الاسرائيلي مفتوحاً في سوريا.
تحرّك الجميع معاً: من تركيا الى أميركا و”إسرائيل” والأدوات في الداخل المسمّاة “حركات معارضة”.
في هذا التوقيت بالذات: سوريا منهكة من عقد من الحرب والحصار، و”حزب الله” خارج من حرب خارجة عن المألوف، وإيران تلقّت مئة ضربة على الرأس ولو أكثرها غير مباشر، وروسيا الفاتحة جبهة في أوكرانيا بمواجهة “الناتو” وكل دوله تفضّل الذهاب إلى تسويات.
ومع تدحرج الأحداث بسرعة قياسية، دفع بشار الأسد ونظامه الثمن لوقف التدهور في المنطقة من دون الكثير من التغيير بالتوازنات، ولو أن ذلك لن يكون إلا مسكّناً موقّتاً، أو مقدمة للشرق الأوسط الجديد.
وبعد هذا العرض، لا بد من وضع بعض الملاحظات والأسئلة:
1 ـ لا بد من الاعتراف بخسارة مؤلمة لمحور المقاومة. وبالتالي، على المقاومات في المنطقة إجراء تقييم جدّي وموضوعي وواقعي لما جرى، والتفكير بكيفية إعادة لملمة الذات وتقويتها من جديد، والاستفادة من التجارب والدروس والعبر.
2 ـ جَلْدُ الرئيس الأسد بالمطلق هو في غير محلّه. فهو اختار حقن الدماء حين فَقَد كل الخيارات الأخرى، وما أكثر حملات الجَلْد في هذه الأيام، وما أكثر من هبّوا لتحميله كل مصائب الدنيا، وغابت عن بال الكثيرين مقولة: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
3 ـ رغم الكثير من الأخطاء التي ارتكبها الأسد، ونظامه، وبعض رجالاته، إلا أنه لا يمكن نكران صمود الرجل ونظامه لفترة طويلة قبل أن ينهار. ولا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الأسد استطاع طويلاً الحفاظ على وحدة سوريا، وحماية التنوع، والوقوف في وجه “إسرائيل”، وتشكيل ضمانة للمقاومات والعروبة والأقليات في المنطقة.
4 ـ أسئلة كثيرة تُطرح الآن والصورة لا تزال ضبابية، من طراز:
• هل تتحوّل سوريا من قلب العروبة، إلى أساس ومنطلق لبناء المشروع الصهيوني والشرق الأوسط الجديد؟
• هل سوريا ما بعد الأسد، ستكون أفضل من سوريا الأسد؟
• هل التجميل الذي خضع له “أبو محمد الجولاني” سيغيّره، وسيغيّر مشروعه في العمق، أم أنه مجرد “تقيّة” يمارسها لإيقاع الأكثرية في الفخ؟
• هل من ضمانات حقيقية للتنوع وللأقليات ولوحدة سوريا؟
• هل ستتفق كل الفصائل، ومن تسمي نفسها معارضات، على قيادة الدولة السورية، أم أن الانقسام في ما بينها سيكون عنوان الآتي من الأيام؟
• ما هي انعكاسات ما حصل في سوريا على المنطقة برمّتها، ومنها لبنان، وخصوصاً بعدما رأيناه من مشاهد مرعبة؟
لا تزال الصورة غامضة، ولكن الخشية الكبيرة من أنّ ما بعد سوريا الأسد هو سوريا “العصر الصهيوني”، خصوصاً أن بنيامين نتنياهو اعتبر ما حصل فرصة لـ”إسرائيل” التي لم تتوقف أصلاً عن القصف منذ يومين. أو سوريا “العصر الاسلامي المتطرف”، خصوصاً أن “القائد” الآن هو خريج تنظيم “القاعدة” لسنوات طويلة وحارب في صفوفه، وأيضاً رئيس “جبهة النصرة” ومَشاهد الرعب التي قدّمتها سابقاً.
هل يكون “العصران” هما “عصر” واحد بمسميات مختلفة؟
إذا ذاك، لا نملك إلا الدعاء!