لم يزل الأخذ والرد القائم بين الإدارة الأميركية وحكومة العدو قائم، إذ يعمل الرئيس الأميركي على مبدأ اللعب على التوازنات في سبيل الحفاظ على ما تبقى من إجماع حول طريقة إدارته للصراع في زمن الحرب على غزة، من أجل الاستمرار في قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية، فهو لا يريد أن يخسر الصوت اليهودي أو الصوت العربي في الإنتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في تشرين الثاني من العام الجاري.
بات من المؤكد أن الإدارة الأميركية بالرغم من المصالح المشتركة بينها وبين اللوبي الصهيوني المسيطر على مفاصل الدولة العميقة عدا التعداد البشري الذي يتجاوز الـ 6 ملاين يهودي ناهيك عن بعض المفاصل التي لها علاقة بالاقتصاد الأميركي من خلال الشركات الكبرى المتحكمة بالقرار الاقتصادي العام، دخلت في حالة من الإرباك مضاف إلى أنها لم تتوقع ما نتج من تداعيات أرستها عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، التي أدخلت المقررات السياسية الكبرى لكل من الإدارة الأميركية ودولة الكيان في حالة من التصدع، وعدم القدرة على التوازن الاستراتيجي للسياسة العامة التي كانت تتمثل بحقبة من الزمن، وصولًا إلى ما كان يسمى بصفقة القرن والتي كانت ستظهر نتائجها الآخذة بعين العاصفة المستمرة، والتي كانت تمثل حاضنة للسياسة العامة في المنطقة، ومنها عمليات التطبيع والتي توقفت على أبواب المملكة العربية السعودية.
التداعيات الكبرى التي برزت في إعلان بايدن عن تجميد التسليح للكيان الاسرائيلي، على أبواب بدء عملية موسعة للكيان على المنطقة الجنوبية للقطاع المحاصر، مما يشي بتضارب الأقوال والأفعال لبايدن، حيث يقول ما لا يفعله في محاولة لبيع الخطابات للعرب، والسير بما تمليه عليه قوى الضغط الصهيونية في واشنطن، وهذا ما لا يعفي إدارة بايدن من جرم المشاركة في حفلة الدماء القائمة على أرض غزة، إذ الموقف الأميركي الرافض لوقف العدوان، ما هو إلا كارت سماح لحكومة نتنياهو باستمرار المجازر بحق الفلسطينيين العزل في القطاع.
العملية في رفح قادمة لا محالة حسب التقديرات الاسرائيلية، وذلك لكسب نتنياهو لليمين المتطرف بهدف حماية حكومته من الانهيار، ولن تكون إلا كالعمليات السابقة في شمال القطاع ووسطه، وعودة الحضور المقاوم في الجبهات التي أعلن جيش العدو تطهيرها من أي وجود لحماس بمقاتليها وقياداتها، وهذا ما برز مؤخرًا من استهداف غلاف غزة وصولًا إلى عسقلان ما هو إلا دليل على فشل العملية البرية بكل المعايير والمقاييس. وهذا ما ظهر جليًا بالانقسام العمودي بين قيادات الجيش والحكومة الإسرائيلية، والاستقالة المفاجئة لمسؤول الشؤون الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يورام حامو التي كانت نتيجة لإدارة نتنياهو السيئة للحرب، من عدم اتخاذ نتنياهو قرارات تخص اليوم التالي للحرب.
إضافة إلى جبهات الاسناد التي تكشف يومًا بعد آخر عن استراتيجيات وأسلحة وتكتيكات جديدة باتت تقلق الكيان برمته، حيث تم الكشف عن سلاح جديد في الجبهة الشمالية مع لبنان، وتم استهداف ثكنة زبدين به ملحقًا أضرارًا قوية بحاميته ودشمه، فضلًا عن اتساع رقعة الاستهدافات في الداخل المحتل، أما الجبهة اليمنية فكشفت عن توسيع رقعة الاستهدافات لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ في فلسطين المحتلة، وما له من آثار عل الحصار المفروض على الكيان، مثلها مثل الجبهة العراقية التي باتت مدينة حيفا مرتعًا لصواريخ المقاومة.
ويضاف إلى جبهات الإسناد جبهة الجامعات الأميركية، والتي باتت تشكل صوتًا للقضية الفلسطينية أمام رجال المال والأعمال الداعمين للكيان، وما كشفت عنه من تعرية نظريات الحرية الاميركية التي تقف عاجزةً أمام نفوذ تل أبيب وتطيح كل من يريد أن ينتقد أداء حكومة الكيان بتهم جاهزة ومعلبة تبدأ بالإخلال بالأنطمة العامة وصولًا إلى معاداة السامية.
في المحصلة يبدو أن الحرب مستمرة باستمرار إرادة الإدارة الأميركية ذلك، خاصة أن الحقيقة باتت واضحة للجميع بأن بايدن هو العراب الأول لهذه الحرب، ولا يمكن لأي حكومة إسرائيلية الإستمرار دون الدعم الأمريكية، ومسرحية الخلافات بين واشنطن وتل أبيب ما هي إلا لشراء الوقت للحصول على الدعم الصهيوني للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة، ولن يكون اليوم التالي لنهاية الحرب إلا اليوم التالي لضمان بايدن نتائج الانتخابات الأميركية.