«مقتل إسرائيل» يكمن في حروبها الطويلة
تشرين- د. منذر أحمد:
سعت «إسرائيل» خلال رسمها لاستراتيجياتها العسكرية على مدار العقود الماضية إلى التركيز على رسم وتبني الخطط الكفيلة بتوجيه ضربات سريعة وخوض حروب خاطفة تكون أشبه بتنفيذ العمليات الجراحية، تهدف بشكل أساسي لعدم تعطيل وإرباك الداخل الإسرائيلي، والتأكيد على مسألة أن ما تقوم به لن يؤثر على استمرارية الحياة الطبيعية في كافة المدن المحتله من قبل ذلك الكيان، ولكن يبدو أن ما حصل في السابع من تشرين الماضي قلب كل الموازين وأفشل كل الاسترتيجيات والمخططات ونتج عنه نتائج كبيرة تمثلت بزيادة ضغوط الحكومات العربية المطبعة وغير المطبعة مع «إسرائيل» ووحدتها بشكل كبير ضد ما تقوم به ضد الفلسطينين، كما ازدادت ضغوط الرأي العام الداخلي ضد نتنياهو وتصاعد الخلاف بين حلفاء نتنياهو في مجلس الوزراء واحتمال سقوط حكومتة وسجنه، نتيجة الفشل الاستخباراتي ونتيجة توسع دائرة الخسائر الاقتصادية وعجز الموازنة بسبب الانفلات الأمني وإلغاء الرحلات الجوية وهروب المواطنين والسياح واغلاق المصانع والاضرار الناجمة عن الحرب كما ظهرت خلافات غير مسبوقة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية فيما يتعلق بكيفية إدارة الوضع، لكن استمرار أمد الحرب وضغوط المعارضة وزيادة الخسائر البشرية زاد تعقيد الأمر، رغم النجاح في إظهار الحزم وقوة الجيش إلا أن جيش الاحتلال عانى كثيراً فقط لاحتلال مساحة صغيرة لا تتجاوز بضعة كيلو مترات، ولجأ في النهاية إلى سياسة الأرض الممسوحة حيث قام بمحو كل معالمها باستخدام مفرط وغير مسبوق لكميات هائلة من السلاح.
أضرار غير مسبوقة في كافة القطاعات، فعلى المستوى الخارجي، شهدت معدلات الكراهية لـ«إسرائيل» زيادة شديدة وترسخت النظرة العالمية لها بكونها النظام الذي يقتل الاطفال ويقصف المناطق السكنية والمستشفيات بشكل همجي، كما تم زيادة الاهتمام بموضوع قضايا السجناء خاصة على مستوى المحاكم الدولية والمنتديات الحقوقية.
أما الأضرار الاقتصادية التي لحقت بـ«إسرائيل» فيمكن تتبعها من خلال التقارير الدورية التي توجه لرئيس وزراء الكيان، ففي رسالة إلى نتنياهو ووزير اقتصاده أكد ٣٠٠ خبير اقتصادي على النقاط التالية:
• إلغاء النفقات غير الضرورية للتغلب على الأزمات الاقتصادية الحالية.
• إعادة بناء الأضرار الناتجة عن عمليات المقاومة الفلسطينية يحتاج إلى مليارات الشيكلات ومن الضروري تغيير الأولويات الاقتصادية لمجلس الوزراء، والبدء بمراجعة مجلس الوزراء للموازنة المعتمده للعام ٢٠٢٣.
• توقعات الخسارة الشهرية أكثر من 200 مليون دولار لحقل «تمار» للغاز المغلق في الأراضي، المحتلة ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء داخل الكيان، علاوة على التداعيات الخارجية الممثلة في ارتفاع الأسعار ومن ضمن الضرر كذلك تراجع صادرات «إسرائيل» من الغاز.
وتناولت الوكالات العالمية جوانب تأثير الحرب الحالية على الوضع الاقتصادي فذكرت وكالة أنباء «أسوشيد برس» للأنباء بأنه نتيجة لحشد ٣٦٠ ألف جندي وإجلاء ٢٥٠ ألف مستوطن في الجنوب والشمال للأراضي المحتله، كل ذلك أدى إلى إزدياد سوء وفساد الوضع الاقتصادي.
إضافة إلى تأثر قطاع السياحة وبما يمثله من نسبة مؤثرة في الناتج المحلى الإجمالي.. وقطاع السياحة الذي يعمل به النسبة الأكبر من القوى العاملة في «إسرائيل»، فيما تم إلغاء نسبة كبيرة من رحلات الطيران من وإلى عذا الكيان كما شهدت خسائر وأضرار بالغة بمئات الآلاف من الدولارات بسبب توقف المطارات وعدم قدوم السياح كما فر أكثر من ٢٥٠ ألف يهودي من الأراضي المحتله.
وكذلك تضرر قطاع البناء بشكل كبير بسبب اعتماده على العمالة الفلسطينية الرخيصة، فمن المعروف بأن قطاع البناء للكيان الصهيوني يعتمد بشكل كبير على العمال الفلسطينيين بسبب انخفاض أجور الفلسطينيين من الضفه الغربية والأراضي المحتله، كما ذكر المكتب المركزي للإحصاء التابع للكيان الصهيوني بأنه حوالي ٥١ % من الشركات تواجه انخفاضاً في الدخل بسبب الحرب على غزة ومعظم الضرر يقع على الشركات الصغيرة، وشهد قطاعا البناء والغذاء أكبر قدر من الضرر وذكرت ١١% من هذه الشركات بأنه تم استدعاء ٢١% من موظفيها للخدمة العسكرية، كما شهدت حركة رؤوس الأموال حركة كبيرة نحو الخارج بسبب تزايد مخاوف امتداد الصراع نحو دول محور المقاومة في سورية وإيران.
كما أن زيادة نسبة عجز الموازنة بلغت ٥,٣% فضلاً عن مضاعفة مخاطر الاستثمار الاقتصادي في «إسرائيل» خاصة بعد فترةٍ من الركود التي استمرت لمدة عام، وأسفر عنها رحيل الشركات الناشئة من «إسرائيل» كل ذلك يجعل الأضرار التي سببتها الحرب غير قابلة للإصلاح تقريباً.
ولعل إجراءات تركيا ضد «إسرائيل» جاءت ضمن توقعات العارفين بخفايا ما يربط الأردوغانية بالصهيوينة، ولكنها جاءت دون توقعات المطبلين لأردوغان ومخيبة لآمال الإخونجية، وخاصة في ظل عمليات الإجرام الممنهج العلني التي تقوم بها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني عامة والمسلمين الفلسطينيين خاصة، فجل ما قامت به تركيا تمثل في منع جميع منتجات شركتي كوكا كولا ونستله المعروفتان تاريخياً بدعمهما الكامل لـ«إسرائيل»، حيث تم منع تلك المنتجات في مبنى البرلمان وجميع المطاعم التركية، وشأنها شأن الدول الأخرى تأثرت التجارة بين تركيا و«إسرائيل» بشكل طبيعي، بسبب الصراع الدائر حيث انخفضت بنسبة تزيد عن 50% وفي حال توقفت عملية تصدير النفط من أذربيجان وكازخستان وتركيا إلى «إسرائيل» فإن النظام الصهيوني سيعاني من انهيار اقتصادي بشكل أكبر. تركيا تملك أدوات ضغط كبيرة ومؤثرة ولكنها تفضل الحفاظ عليها على الحفاظ على دماء ألفلسطينيين من المسلمين.