الاخبار الرئيسيةمقالات

مقاربات في تطوير تجربة السيد محمد باقر الصدر التنظير على ضوء القرآن

مقاربات في تطوير تجربة السيد محمد باقر الصدر التنظير على ضوء القرآن

كتبت سلوى فاضل:

لا يزال المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (1935-1980( محط بحث ودراسة بالنسبة لكثيرين من البحّاثة في العالمين العربي والإسلاميّ، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على استشهاده، حيث لا تزال كتبه مدار تنقيب علميّ وفكريّ.
ففي كتاب جديد للباحث سعيد بهمني الصادر بالفارسيّة في طهران، وعمل مركز الحضارة لتنميّة الفكر الإسلامي على ترجمته ونقله إلى العربيّة على يد المترجم محمد أيوب ليستفيد منه القارئ والباحث العربي، كتاب ضخم تتعدى صفحاته الـ390 صفحة مع سلسلة ضخمة من الهوامش والإحالات والمراجع والمصادر، ويتوّزع الكتاب المتخصص هذا على ثلاثة أقسام تشمل 14 فصلاً.

مقالات ذات صلة

هو كتاب بحثيّ فكريّ يُظهر للقارئ أنه دراسة جامعيّة متخصصة بفكر الفيلسوف الإسلامي محمد باقر الصدر، الذي اغتالته أيدي البعث العراقي في التاسع من نيسان من العام 1980 مع أخته الأديبة الملتزمة بنت الهدى.

عرض سريع

في عرض سريع لعناوين البحث الذي بين أيدينا، نجد التالي: كليّات ومفاهيم، مُقارنة بين مناهج التفسير الموضوعيّ، دراسة طرق تطوير منهج التفسير الموضوعيّ وتحليلها ونقدها. هذه العناوين الضخمة يندرج تحتها العديد من الفصول كخصائص التحقيق، ومبادئ التفسير وفق المنهج الموضوعيّ، وأقسام التفسير الموضوعيّ، ومقارنة المناهج الموضوعيّة، وعملية معرفة المشكلة وآلية معرفة التاريخ، وعملية معرف الهدف، وآلية طرح الأسئلة، وعملية الافتراض، وعملية استنطاق القرآن الكريم، وعملية المقارنة، وعملية التنظير، وعملية تطبيق النظرية، وعملية التدوين.

أوردنا هذا العناونين التفصيليّة للكتاب البحث ليطلّع البحّاثة المهتمين بالفكر الأصوليّ الإسلاميّ والفلسفة الإسلاميّة، التي تخصّص بها السيد الصدر، أما المنهج الذي اتبّعه فهو المنهج العلميّ الدقيق الأقرب إلى الأصول.

الأكثر تفصيلاً

اشتهر محمد باقر الصدر بالمنهج الموضوعيّ وبالتنظير له، وهو الذي خاض تجربة التفسير الموضوعيّ في مجال السنن التاريخيّة والاجتماعيّة في القرآن الكريم. ورغم كثرة الكتب والدراسات القرآنيّة والفلسفيّة إلاّ أنّ هذه الدراسة التي بين أيدينا تبقى الأوسع والأكثر تفصيلاً في مجالها بحسب مركز الحضارة.

الصراع الماركسيّ- الليبراليّ المتوّحش

توّجه المُفكر محمد باقر الصدر نحو القرآن الكريم للبحث عن الإجابة حول مشاكل العالم المعاصر وقضاياه بهدف التنظير المُستند إلى القرآن لانتاج نظرية إسلاميّة في مواجهة الفكرين الليبرالي والماركسي المتقابلين والمتواجهين في أوج صراعهما في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وليُبدع في نظريته الإسلامية، وفي طرحه للمنهج الموضوعي في القرآن.

مقابل المنهج الموضوعيّ، الذي اختصّ به السيد الصدر هناك المنهج التجزيئي الذي لم يختره السيد الصدر، والذي لم يسبقه إليه أحد من قبل. وفي تعريف للمنهج الموضوعي نقول إنّه ولد مع القرآن الكريم، وهو أيضًا منهج الأنبياء والأئمة، وإن كان البعض يعتقد أن تفسير النعماني يُعد من أقدم الكتب التراثية الموجودة وبإسلوب المنهج الموضوعي، إضافة إلى مخطوط لأبي موسى هارون بن عمر، وهو من أصحاب الإمام الرضا، ومخطوط “آيات الولاية” المأثور عن حسن بن مسلم الكوفي، إلا أنهما مفقودا الأثر، اضافة إلى كتاب “تنزيه الأنبياء والأئمة”.

كان همّ المفكر الصدر استخراج النظريات الأساسيّة القرآنية والإسلامية عبر التفسير الموضوعيّ الذي لاقى اهتمامًا ورواجًا كبيرا في العقود الثلاثة الأخيرة في مرحلة ما بعد استشهاد الصدر.

وهذا التفسير يعتمد على الانطلاق من فهم القرآن وتفسيره من أجل تطوير الفهم بناءًا على المقترحات والتحليل عبر عرض نواقص التحليل ومزاياه من خلال اعتماد منهجيهات في البحث وعرض الفرضية، اضافة إلى التوصيف. ويبقى الأساس هو المنهج القائم على مجموعة عناصر معرفيّة وقواعد وآليات ومهارات لازمة للوصول للهدف.

هذا الكتاب هو الأقرب إلى كتب العلوم الرياضيّة العلمويّة، والتي امتلك السيد الصدر الجرأة الكبيرة في استخدامها في تفسير كتاب دينيّ مقدّس رغم كل المحاذير الخطرة في اعتماد هذه المناهج التي قد تقود متبعيها إلى التفريط في شرح الآيات والسور القرآنيّة. وهو أمر فيه من الخطورة بمكان خاصة أن الأديب المصري طه حسين كان قد طالب بتفسير الكتب التراثيّة ( ومن ضمنها القرآن الكريم) من خلال كتابه (الفتنة الكبرى) في ستينيات القرن الماضي، وفق مناهج غير إسلاميّة مما خلق أزمة كبيرة حينها.

الأمر الذي يتطلّب معرفة تامة بالتفسيرات التي سبقت لدى كافة المذاهب الإسلاميّة سواء الشيعيّة أو السنيّة أو الروحيّة أو الصوفيّة.. المعرفة الدقيقة والتامة باللغة العربيّة وبالأحداث التاريخيّة وما قبل التأريخ، إضافة إلى المعرفة التامة بالأديان الماقبل سماوية وتاريخها.

أما الآليّات المُتاحة في عمليات التفسير فتبقى صعبة بالنسبة للمُفسرين والمُفكرين والباحثين السابقين على عصر السيد الصدر نظرًا للصعوبات التقنيّة لم تكن متوفرة حينها كما هو الحال اليوم.

وضع الفيلسوف الصدر ورسم الأدوات المستعملة في العمل فحدد الخطوط العامة والخاصة، مما يُدلل على ترتيب منهجيّ علميّ مُنظم غير عشوائيّ كمادة الرياضيات الذهنيّة، وكان قد درس المصطلحات التي كان الفيلسوف الألماني إيمانويل كنط قد اعتمدها في نتاجه الفلسفيّ البحت عقلي ترانسندالي.

فالانهمام الكبير لدى السيد الشهيد المُفكر الإسلامي كان الإسلام بكليّته، من هنا تميّز كتابه (المدرسة القرآنية). ولأن الأنثروبولوجيا هي هدف كلّ عالم وباحث، وبها نفهم ما سبق وما سيلي من تجارب حياتيّة، يمكن القول أن الدراسة الحوزوية ساهمت في توسعة الأفق على العالم الإناسيّ لدى السيد الصدر.

ومن الموضوعات القرآنية التي جدولها السيد الصدر: عقيدة التوحيد، النبوّة في القرآن، المذهب الإقتصاديّ في القرآن، القوانين العامة للإقتصاد الإسلاميّ، التغيير الاجتماعي، سُنن التاريخ في القرآن، الأرض والسماء في القرآن، عناصر المجتمع في القرآن، مراحل التاريخ في القرآن، حب الله وحب الدنيا في القرآن، العمل الصالح في القرآن، الذرائع والتعلّل في الدعوة إلى الإسلام والرد عليها، الحريّة في القرآن.

ولا بد من القول إن هذه المباحث كلّها اشتغل عليها السيد الصدر لرسم البنيان الإسلامي في النظرية القرآنيّة، من وجهة نظر شيعية_ وإن كان السيد الصدر لم يخصص ذلك بالإسم_ ردًا على النظريات المُشككة بالبناء النظريّ في الإسلام وبإمكانية اعتماده عمذهب ثالث مقابل الماركسيّة والليبراليّة المتوّحشة.

فـ “موضوع الحريّة” الذي كان على الدوام من أكثر المواضيع إثارة للجدل في كلّ المجتمعات، وخاصة عند أصحاب الفكر التنويريّ والثوريين في العقدين الأخيرين. طرح الشهيد الصدر هذا الموضوع في وقت مقارن للسنوات الأولى لانتصار الثورة الإسلاميّة ورونقها، وكان هذا الموضوع معركة للبحث والنقاش واختلاف الآراء في إيران والعالم الإسلامي. حيث إنّ مفهوم الحرية ونطاقها النظريّ والعمليّ كان من جملة التحديات الأساسيّة لمهندسي الأنظمة والحكومات الشعبيّة، ولذا فإنّ الشهيد الصدر الذي كان حاضرا في الميدان بكل عزم وجدية لأجل حلّ المشاكل الفكرية للمجتمع والأنظمة الإسلاميّة لم يكن بإمكانه أن يقف تجاه هذه القضيّة موقف اللامبالي، وهو مع معرفته ودرايته الكاملة بالاتجاهين الحاكمين في زمانه؛ أي الماركسية والليبرالية، تصدى لبحث وتحليل مفهوم الحرّيّة ونطاقها من الناحية القرآنيّة. ومن الواضح جدًّا، أن وظيفة البحث حول الحرية في القرآن بيان ماهيّة الحرية ونطاقها من جهة، والفوارق بين نظرية القرآن الكريم وبين النظريات المنافسة من جهة أخرى. ومن خلال ذلك سعى السيد الصدر إلى تأمين وتوفير قسم من الحاجات النظرية للنظام الإسلاميّ، وكذلك الإجابة عن الأسئلة الطارئة حولها أيضًا، وتاليًّا، فإنّ هذا البحث يمكن أن يكون له بعدان وظيفيّان أولهما التنظير، وثانيهما الحصول على الآليات والأسس العملانية”.

مقاربات في تطوير تجربة السيد محمد باقر الصدر التنظير على ضوء القرآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى