كتبت يمنى المقداد في “الديار”:
منذ مدة، يعيش اللبنانيون استقرارا في سعر صرف الدولار، لكنه لم ينعكس استقرارا في أسعار السلع والخدمات في لبنان، التي تستمر في الارتفاع شيئا فشيئا من دون حسيب ولا رقيب، وسط خشية من عودة ارتفاع العملة الخضراء، مع اتساع دائرة الحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان.
فما أسباب ثبات سعر الصرف حتى الآن؟ وهل من ديمومة لهذا الاستقرار؟ ما احتمالية عودة سعر الصرف إلى جولات الجنون السابقة على أثر التصعيد الصهيوني في لبنان؟
حول أسباب ثبات سعر صرف الدولار طوال الأشهر الفائتة، أشارت المتخصصة في الاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة، الدكتورة ليال منصور لـ “الديار”، إلى أنّ سعر صرف الدولار ثابت منذ استلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري المصرف المركزي، وذلك من خلال اتباعه سياسة مهمة وناجحة جدا، تتمثّل في عدم التدخل بتمويل وزارة المالية ولا تمويل الحكومة، وبالتالي لا يصرف رواتب القطاع العام من البنك المركزي، ولا يموّل التحسينات، ولا يقرض الدولة، وهي إجراءات أدّت إلى تكوين استقلالية للمصرف المركزي، وهذا أمر إيجابي جدا، أدّى إلى استقرار سعر الصرف.
البلد “مدولر”
رغم الحرب الدائرة في جنوب لبنان، حافظ سعر صرف الدولار على ثباته منذ أشهر طويلة بين 89300 ليرة للشراء و89700 ليرة للمبيع لكل دولار أميركي واحد، فيما تتنبأ بعض الأخبار اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، باحتمالية جنونه في حال توسعت دائرة الحرب.
في هذا الشأن، أوضحت منصور سبب ثبات سعر الصرف خلال الحرب حتى الآن، أنّ البلد أصبح “مدولرا” جدا، وأنّ الاقتصاد يعمل كلّه بالدولار، ويصرف بالدولار و “CASH ECONOMY” بعيدا عن البنك المركزي، وحتى فواتير قطاع الكهرباء تدفع بالدولار، كما تدفع بعض المصاريف، تحت مسمّى دعم أو مساعدة اجتماعية إلى جانب الرواتب أيضا بالدولار، وبالتالي أصبح هناك اقتصاد مواز لاقتصاد الليرة اللبنانية، والأغلبية تتعامل بالدولار، ولم يعد هناك ضغط على البنك المركزي يضطره أن يطبع ويحدث هذا التضخم الذي يؤدي الى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.
هل ثبات سعر صرف الدولار سيستمر؟ جزمت منصور أنه يستحيل أن تستمر هذه السياسة، لأن البلد كانت عملته ثابتة و “مدولرا”، ولا يمكن أن يعود الى الثبات نفسه كما في السابق، كما لا تستطيع أن تستمر البلد بهذه الطريقة من دون قطاع مصرفي، ومن دون دفع وإعادة هيكلة القطاع العام، ومن دون توظيفات جديدة. وبالتالي يجب الاستغناء عن الليرة. وأضافت أنّ الدولارات الموجودة في البلد تتوقف كثيرا على مدى الأمان والاستقرار وعلى السياح، وأنّ لبنان لديه دائما مبلغ من مساعدات المغتربين، تدخل البلاد مهما كانت الظروف، وهذا ما ينعش البلد وأهم القطاعات قليلا، وتشكل أموال المغتربين حوالى 25% من الناتج القومي في لبنان.
تأثير العدوان الصهيوني في قيمة الليرة
كما لفتت منصور إلى أنّه بعد التفجيرات الأخيرة التي حصلت في لبنان، ربما سيكون هناك ضغوطات على البنك المركزي، لتمويل المصاريف الخاصة بالمستشفيات وعلاج الجرحى، وربما اعادة الإعمار وسواها، وبهذه الحالة يمكن أن يحدث انهيار في قيمة الليرة اللبنانية.
واعتبرت انه في حال اضطر البنك المركزي الى التدخل والإنفاق، ولم يحصل لبنان على مساعدات طبية وإعمار، ستعود الضغوطات عليه لطباعة المزيد من العملة الوطنية التي ستنهار أكثر فأكثر.
التضخّم المستورد
وحول أسباب التضخم وارتفاع الأسعار حاليا رغم ثبات سعر صرف الدولار، شرحت منصور أنّه عادة ما تكون أسباب التضخّم مرتبطة، إمّا بكثرة الطلب أو العرض، أو بما سمته “إستيراد التضخم”. وفي لبنان لا يمكن القول إنّ كثرة الطلب أدّت الى التضخم، لأنّ الدولة لا تنفق وليس هناك استثمارات، معيدة السبب الأساسي إلى التضخم المستورد، إذ إنّ لبنان لا يزال لديه خلل كبير جدا في الميزان التجاري، ويستورد من الخارج كثيرا، كما أنّ الأسعار ترتفع عالميا وهذا يؤدي دورا مهما في هذه العملية.
ولفتت إلى نقطة مهمة، وهي أنّ أموال المغتربين ليست حصيلة الناتج القومي الاقتصادي، أي ناتجة من عرض داخلي إنّما عن عرض خارجي، وهذا بدوره يساهم في حدوث المزيد من التضخم، بخاصة عندما تكون نسبة هذه الأموال مرتفعة، وهذه من السلبيات في ما خصّ أموال الخارج.
ما السبيل لإنعاش الليرة مجددًا؟ “الليرة اللبنانية توفت”، بهذه العبارة أجابت منصور، ورأت أنّ إبقاءها لن يحييها، ومهما فعلنا لن تحيا مجددا. فالحل الوحيد هو باستبدال الليرة اللبنانية، وسألت: هل عندما ثبتنا الليرة عاشت؟ هل من أحد يستعملها أو يصرفها أو يطلبها اليوم؟ وختمت أنّ تثبيت الليرة اللبنانية لا يعني ارتفاع قيمتها، وهذا كلام غير صحيح، لذلك الحل الوحيد هو استبدال الليرة بـ “الكارنسي بورد” أو “الدولرة الشاملة”.
خلاصة القول: ثبات وهمي لسعر صرف الدولار، ناتج من ثبات موقف المصرف المركزي بعدم الإنفاق، وليس عن خطة إصلاحية شاملة. ولكن رغم هذا الثبات، فإنّ أسعار السلع والخدمات في تصاعد مستمر، ما يطرح علامات استفهام إذا كانت هذه الفوضى تحصل في زمن السلم أو لنقل في زمن الحرب الجزئية ، فماذا سيحصل إن دخلنا في الحرب الشاملة؟