كتب غاصب المختار في “اللواء”:
تحمل حكومة العهد الرئاسي الأولى أعباءً ثقيلة جداً يستحيل عليها التصدّي لها ومعالجتها وفكفكة عقدها منفردة، برغم كل الخطوات المساعِدة التي يمكن أن تتخذها مع ان المهم هو تطبيقها لا وضعها في الأدراج، وهنا تقع مسؤولية معالجة الأزمات الضخمة بشكل أساسي على تماسك الحكومة وتجانسها ووضع رؤى علمية وقانونية صحيحة مشتركة أولاً، لا الخوض في خلافات حول حصص الأطراف المشارِكة فيها، وعلى تعاون مجلس النواب مع الحكومة ثانياً، إذ لا يمكن أن يمرّ مشروع قانون من الحكومة مهما كان مهماً ومدروساً ومراعياً المعايير التي حددّها رئيسا الجمهورية والحكومة، ما لم يقتنع به البرلمان أو إذا تدخلت الحسابات الخاصة والنكايات السياسية في مناقشته بصورة موضوعية لإقراره.
تحمل انطلاقة العهد الجديد والحكومة الجديدة رغبة في تغيير حقيقي لكل أساليب الحكم السابقة، وهناك تأييد نيابي وسياسي واسع لتوجهاتهما العامة وبرامجهما الإصلاحية المعلنة، وهي متقاربة الى حدّ التماهي بين الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، وهناك رهان كبير على النجاح في معالجة الكثير من الملفات والمشكلات العالقة، إدارياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً وأمنياً ولو إستغرقت بعض لوقت، ربما بإستثناء العجز الواضح في معالجة مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لمناطق جنوبية مهمة ما يُعيق تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش اللبناني في هذه المناطق حسبما تنص آلية تنفيذ القرار الدولي ووقف إطلاق النار. لكن موجودة والأفكار جاهزة للمعالجة والمهم التسهيل لا التعطيل.
وفي كل الأحوال، ثمة حاجة الى رؤية وطنية مشتركة موحّدة وإجراءات تنفيذية متفق عليها لإنهاء الاحتلال، ولكن المشكلة ان هذه الرؤية لا زالت غير موجودة بسبب الخلاف والانقسام الداخلي حول مفهوم السيادة وحول كيفية إنهاء الاحتلال، ولو كان هناك توافق مبدئي بين كل المكونات السياسية على بحث استراتيجية وطنية دفاعية لردّ أي عدوان، لكن هناك أيضاً اختلاف جوهري حول أسس هذه الاستراتيجية ومن يتولاها وكيف يمكن تطبيقها لو جرى التفاهم عليها من حيث المبدأ، لا سيما مع وجود «الفيتو» الأميركي الصارخ على كل ما من شأنه أن يردع كيان الاحتلال الإسرائيلي ويضع حدّاً لإستضعافه لبنان، بعدما أوكلت المقاومة أمر إنهاء الاحتلال الى الدولة والى مساعيها الدبلوماسية، التي ظهر بالملموس حتى الآن انها لم تُقدّم أي حلول عملية لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، وها هو نائب رئيس الحكومة طارق متري يؤكد المؤكد مرة أخرى بقوله لقناة «العربية» انه «لو ضغطت واشنطن بشكل كافٍ على تل أبيب لما أبقت على النقاط الخمس. لقد وُعِدنا من قبلهم (الأميركيون) بالانسحاب الكامل بعد انقضاء مهلة التمديد الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار، إلّا أن ذلك لم يحصل». كذلك لفت الانتباه إلى أن لبنان «لم يحصل على تأكيدات أو ضمانات من الأميركيين بشأن الانسحاب الكامل للإسرائيليين من النقاط الخمس المتبقيَة، لا في المرة الأولى لتمديد الاتفاق ولا حتى في المرة الثانية».
كما أكد متري ما يتردد في الأروقة المغلقة «أن إبقاء إسرائيل على وجودها في النقاط الخمس هدفه الضغط على لبنان وليس لغايات عسكرية». وهذا يؤكد أيضاً ما يتردّد عن ضغط إسرائيلي – أميركي على لبنان للخضوع لأمرين: الأول، التنازل عن بعض حقوقه في الأراضي المحتلة المتحفظ عليها منذ العام 2006 والأراضي الجديدة المحتلة بعد الحرب الأخيرة. والثاني، التهيئة لعقد اتفاق سلام بين لبنان والكيان الإسرائيلي في حال نجح المشروع المُعَد للمنطقة لتطبيق ما سُمّي «الاتفاقات الابراهيمة» للتطبيع بين العرب وكيان الاحتلال.
أما مشكلات الداخل المتراكمة فلا حلّ لها من دون دعم عربي ودولي مالي واقتصادي للمساهمة في تعافي الاقتصاد وعودة الاستثمارات والسياحة، وفي إعادة اعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، وهذا يتطلب من الحكومة والمجلس النيابي تحسين وتطوير الإدارة، ومعالجة أزمة المصارف والودائع، وتعزيز السلطة القضائية، والقضاء على الفساد، وهي كلها مطالب عربية ودولية. والخشية قائمة بأن يكون الدعم مشروطاً بأمور سياسية وأمنية مطلوبة من لبنان لا سيما في ما خصّ ترتيبات وضع الجنوب والتسويات مع كيان الاحتلال.
وإذا كان المطلوب من لبنان الإلتزام الجديّ بتطبيق القرارات الدولية، وهو ما تعهد به وباشر تطبيقه بنشر الجيش وبدء إستعادة بسط سلطة الشرعية على كامل أراضيه لا سيما الجنوبية، فإن المطلوب من المجتمع الدولي، ومن الإدارة الأميركية أيضا وبشكل خاص، مساعدة لبنان في تنفيذ تعهداته وإجراءاته بالضغط على إسرائيل لإلزامها بالإنسحاب من كامل الجنوب وعدم إعاقة انتشار الجيش ومؤسسات الدولة كما يحصل حالياً.