كتب غاصب المختار في “اللواء”:
لم يعد من مبرّر للكلام مجدّداً عن المساعي الأميركية لوقف الحرب الإسرائيلية التدميرية على لبنان وفلسطين، والتي تشمل سوريا كل فترة، بعدما أطاح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بكل ما تسرّب من الإعلام العبري والأميركي عن تقدّم في المفاوضات وقُرب التوصل الى اتفاق لوقف الحرب، ولم يعد ممكناً تصديق الكلام الأميركي عن اتصالات من وزير الدفاع لويد اوستن وقائد المنطقة الوسطى للجيش الأميركي بالقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لطلب عدم استهداف جيش العدو للجيش اللبناني، إذ ان ثمرة هذه الاتصالات كانت أمس قصف حاجز الجيش في العامرية على طريق صور – الناقورة واستشهاد عسكري وإصابة 18 بجروح وأضرار مادية كبيرة، وقبل ذلك استشهاد وإصابة العشرات من الجنود.
وظهر من الوقائع الميدانية خلال اليومين الماضيين ان قيادة الاحتلال ماضية في حربها المجنونة ضد لبنان على كامل مساحته، سواء بالغارات على بيروت (غارة البسطة أدّت الى ارتقاء 29 شهيداً وجرح 70 شخصاً) والضاحية وقرى الجنوب والبقاع حيث ارتقى عشرات الشهداء، أو بتوسيع العملية البرية في محاور القطاع الغربي من الناقورة الى شيحين وطير حرفا والجبين وشمع، وفي مدينة الخيام بشكل خاص في محاولة جديدة للوصول الى مجرى نهر الليطاني بما يُمكّن إسرائيل من تسجيل «انتصار» ولو محدود على لبنان ومقاومته وفرض الشروط التي يريدها.
ويبدو ان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لمس خلال زيارته الى الكيان الإسرائيلي الأسبوع الماضي نوايا حكومة نتنياهو بعدم التزام وقف الحرب، بل والمضي فيها حتى تحقيق أهدافها كما قال. لذلك غادر وغاب عن السمع ولو ان الضخ الإعلامي العبري والأميركي استمر بعد الزيارة بترويج أخبار ملفّقة عن تقدّم في المفاوضات.
يتضح من كل هذا المشهد السياسي الفولكلوري والعسكري الدموي، ان لا مجال لإقناع إسرائيل بوقف الحرب، خاصة في ظل «الدلع» الأميركي الزائد وغض النظر عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال وعن التقدم البرّي الذي أدّى الى تدمير قرى بكاملها عند الحد الأمامي الجنوبي، ما أوحى لبعض الجهات السياسية المتابعة بأن الكيان الإسرائيلي ذاهب الى أبعد من مجرد مطالب وشروط أمنية وسياسية لضمان حدوده الشمالية وإعادة المهجرين من المستوطنات الحدودية. فظهر من كلام نتنياهو في الأسابيع الأخيرة ان هدف الحرب هو تغيير خريطة الشرق الأوسط وواقعه السياسي، وصولا الى ما يخطط له من استكمال التطبيع مع بعض الدول العربية وإقامة سلام في الشرق الأوسط وفق رؤيته لهذا «السلام» بالخلاص من كل يتسبب بإفشال مشروعه، من لبنان الى سوريا والعراق وإيران وحتى اليمن.
وفي صورة أوسع من المشهد الحالي القائم، لا بد من العودة الى وعود الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأنه سيعمل فور تسلّمه منصبه رسمياً على «تحقيق السلام في الشرق الأوسط بما يعيد الازدهار والاستقرار والامان الى شعوبه»، ويتضح ان السلام الذي يريده ترامب لا يختلف عن الذي يريده نتنياهو بل يتماهي معه الى حد التوافق التام. فأي سلام بالمفهوم الأميركي – الإسرائيلي يعني تغليب مصالح الدولتين على مصالح كل دول المنطقة الحليفة والصديقة منها كما الخصوم، بحيث تبقى إسرائيل هي المتفوّقة وهي المتحكّمة وهي التي تفرض الشروط التي ترتأيها على كل الراغبين بوقف الحرب وبتحقيق السلام الفعلي والشامل الذي يُفترض أن يعيد الحقوق الى أصحابها في فلسطين ولبنان وسوريا.
لذلك أي قراءة جيو – سياسية وعسكرية لوضع المنطقة الآن لا بد أن تأخذ بالاعتبار مرحلة حكم ترامب ومصير نتنياهو بعد الضغوط الدولية الكبيرة عليه، والتي تجلّت مؤخراً بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر بإعتقال نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة. فهل تبقى توجهات أميركا وإسرائيل هي ذاتها أم تكبح الضغوط الدولية السياسية والقانونية بعض الجموح والتطرف؟!
يتضح من موقف ترامب من قرار المحكمة الجنائية انه سيقف ضد أي إجراء بحق إسرائيل ونتنياهو شخصياً، وان مرحلة حكمه المقبلة ستكون مليئة بالتوترات في الشرق الأوسط لا سيما إذا استمر في السياسة العمياء بدعم إسرائيل المفتوح سياسيا وعسكريا والضغط على خصومها وأعدائها، والتوافق الى حد التماهي مع ما تريده إسرائيل ومحاولة فرض أي حل سياسي بالحديد والنار والمجازر.