كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
تتصاعد التحذيرات الدولية من احتمالية تمدّد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى لبنان ونشوب حرب إقليمية، في ظل توالي التصريحات والتهديدات الإسرائيلية التي تهدّد بشنّ حرب على لبنان.
ويتكثّف الحراك الدبلوماسي تجاه بيروت على وقع ارتفاع التحذيرات من خطورة الوضع وارتفاع احتمالات توسُّع رقعة الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وكان آخرها من وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي زارت بيروت الثلاثاء الفائت، آتية من تل أبيب، ونبّهت من أنّ «الوضع على الخط الأزرق دقيق والمخاطر قائمة».
هل نحن بالفعل على عتبة الدخول في آتون حرب واسعة بين لبنان وإسرائيل؟ من الصعب في ظل وجود حكومة دائمة التوتر واللاتوازن في تل أبيب، التكهن بما ستؤول إليه المواجهات الدائرة في الجنوب وما إذا كان من المتوقع أن تتدحرج الأمور باتجاه حرب كبيرة، فمن جهة «حزب الله» أعلنها منذ اليوم الأول ان ما يجري في الجنوب هو حرب إسناد لغزة، فان توقف تلك الحرب تتوقف جبهة الجنوب، وهذا يعني ان الحزب لا يضع على أجندته أي قرار بتوسّع الحرب، وان هذا الأمر يتعلق بحكومة إسرائيل فان هي قررت الحرب فالحزب لن يقف مكتوف الأيدي ولديه من الامكانات للتعامل مع أي حرب كبيرة كانت أم صغيرة، وان لم تفعل فالوضع يبقى على حاله الى أن تضع الحرب في غزة أوزارها مع الأخذ بعين الاعتبار أي تطوّر في الميدان.
في هذا السياق وفي دردشة مع مصدر رفيع المستوى في حركة «حماس» فانه يستبعد الآن حصول حرب كبيرة على جبهة لبنان، وهو يرى ان ذلك يصبح من الممكن حصوله في حال خرجت الأمور عن السيطرة نتيجة التعنّت الإسرائيلي، بعد الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل، لأن الإدارة الأميركية تضغط باتجاه عدم توسّع الحرب لانشغالها بأمور كثيرة منها الانتخابات الرئاسية، والخوف على مصالحها وقواعدها العسكرية في المنطقة، وكذلك رصد ما يجري على مستوى الحرب الروسية – الأوكرانية، ناهيك عن توسّع النفوذ الصيني في أكثر من مجال في المنطقة.
وفي تقدير المصدر ان التصعيد الإسرائيلي اليومي في الجنوب اللبناني هو محاولة من قبل جيش العدو لتصوير نفسه على انه قوي، بعد أن أظهرت المقاومة من خلال أكثر من فعل قامت به على الجبهة وفي عمق فلسطين بأنها قوية ومقتدرة، وأن ما أورده السيد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة كافٍ لكي تجعل إسرائيل أن تحسب ألف حساب قبل القيام بأية حماقة تجاه العمق اللبناني.
وفي ما خصّ غزة، يشرح المصدر الرفيع في «حماس» بإسهاب الأسباب والظروف التي جعلت عملية «طوفان الأقصى» تحصل ويقول: كنا نرى قبل السابع من تشرين الأول الماضي ان العدو الإسرائيلي ومعه الإدارة الأميركية وجزء من دول المنطقة يعملون على ترتيبات معينة في المنطقة، الهدف منها تصفية القضية الفلسطينية تحت مسمّى «الحسم»، ومن ضمن مشروعهم كان العمل بشتى السبل على ضم الضفة الغربية، والهيمنة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وشطب حق العودة، كما انه كان من بين المسارات التي يسلكها هذا المشروع إلغاء «الأونروا»، لأنها شاهد رسمي وقانوني. والمسار الثاني إعادة تعريف اللاجئ، وتحديدا الذين خرجوا من فلسطين فقط وهم قلّة. والمسار الثالث توطين الموجودين في دول الطوق، لبنان – سوريا – الأردن.
وسأل المصدر لماذا غزة؟ ربما يكون السبب الرئيسي لاتخاذ الولايات المتحدة الأميركية قرار الحرب على غزة بواسطة إسرائيل هو ما تم الاتفاق عليه في قمة العشرين أي ممر التجارة الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، والهدف منه تثبيت الشرق الأوسط منطقة نفوذ أميركي، وإدماج إسرائيل في المنطقة بعد انضمامها للمشروع من خلال قناة بن غوريون في غزة وذلك لمواجهة مشاريع الصين وروسيا في إطار الصراع على من يحكم العالم، وإضافة الى هذا مخزون الغاز الكبير في غزة.
لقد رأت أميركا ان هناك خطرا استراتيجيا يحول دون ولادة هذا المشروع ويتمثل هذا الخطر بحركة حماس ومعها «حزب الله» وإيران، لذلك اتخذ القرار بالقيام بعمليات اغتيال للقيادات في هذه الساحات، في عملية تسبق الانتقال الى المواجهة المباشرة ، وفي نفس الوقت الهيمنة على أجزاء من المسجد الأقصى.
أمام هذا المشهد كان هناك مبرر كافٍ لقلب الطاولة من خلال عملية «طوفان الأقصى» التي كنا نتوقع نجاحها كما كنا نتوقع ردات الفعل، فهذه العملية بلا شك ضربت الردع والأمن الإسرائيلي، وأحيت من جديد القضية الفلسطينية، كما أنها في جانب آخر أبهرت العالم، مشدّدا على ان هذه العملية كان قرارها فلسطيني بحت، لكنها كرّست وحدة الساحات، وتجذّر من خلالها محور المقاومة وأصبح قوة فعلية من خلال التنسيق العالي جدا.
في رأي المصدر ان ردة الفعل الإسرائيلي من خلال قوة عسكرية مفرطة كان الهدف منها القضاء على «حماس» وفصائل المقاومة من أجل أن لا تستثمر على ما حصل، لكن المقاومة كانت حاضرة وجاهزة، صواريخ، أسلحة متنوعة، وأنفاق ونظام اتصالات من الصعب أن يتم خرقه، وكان لإيران وسوريا دور أساسي في موضوع التسلّح، الى جانب أحرار في هذا العالم، لكن على الرغم من كل التقنيات والتسلّح كان الجيش الإسرائيلي ولا يزال أعمى وعاجز عن تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها حكومة نتنياهو، لا بل انه فشل فشلا ذريعا على مدى هذه الأشهر من الحرب.
ويؤكد المصدر الرفيع في «حماس» ان فشل إسرائيل في استعادة الأسرى وفي لَي ذراع الشعب الفلسطيني، وتهجيره، والانقضاض على المقاومة على رغم القوة العسكرية المفرطة والجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين من رجال وأطفال ونساء كل هذا جعلهم يذهبون الى المفاوضات.
ويؤكد المصدر ان الإدارة الأميركية هي التي تدير الحرب، وهي جاءت الى إسرائيل بعد «طوفان الاقصى» مباشرة لسببين: ترنّح الكيان ، ومنع ردة فعله بالذهاب الى أماكن تضرّ بمصالح أميركا بالمنطقة، واليوم تريد أميركا العودة الى 6 تشرين لكي تكمل مشروعها من دون «حماس» والمقاومة، ومن أجل ذلك لا يوافقون على مطالب حماس، فلديهم أهداف، ومطلبنا إنهاء الحرب من خلال صفقة مشرّفة.
ويكشف ان كل ما يطرحوه هدفه اخراج الأسرى من قبضة «حماس» وفصائل المقاومة، ومن ثم يبدأون بالضغط لكي يحققوا بالسياسة ما لم يحققوه في الميدان.
ويصف طرح الرئيس الأميركي الأخير بأنه طرح مفخخ ومضلل، فما يقوله في العلن غير ما هو مكتوب في الورقة التي وصلتنا، ومن ضمن ما يريدوه في اليوم التالي ادخال قوة عربية ودولية الى غزة، وتعويم فكرة قيام الدولة الفلسطينية إنما بالقول وليس بالفعل، فلا أميركا ولا إسرائيل يريدان قيام دولة فلسطينية.
ويلفت المصدر الى انه بالمفاوضات نحن حريصون على الإيجابية لكن ليس بأي ثمن، فشعبنا وعلى الرغم مما حلّ به نتيجة المجازر يقول لنا إياكم والتنازل.
ويكرر القول بأن مبادرة الرئيس بايدن هي ذاتها ورقة نتنياهو وهناك خداع وتضليل في المفاوضات ونحن متنبّهون لذلك ونواجهه، فأيام أن يضحك العدو بالمفاوضات كما كان يحصل في السابق مرَّ عليه الزمن ونحن ثابتون على موقفنا.
ولا يرى المصدر أي حل قريب ولا وقف للحرب، ويؤكد ان مسار الحرب لصالح المقاومة، ولا خيار لنا إلّا بالصمود من أجل إيجاد متغّير نوعي يوقف هذه الحرب شبيه بطوفان الأقصى.
ويعتبر المصدر ان الحرب ممكن أن تتوقف كذلك من خلال فعل جبهات الاسناد غير الذي نراه، أو ضغط أميركي جديّ على نتنياهو، أو تفاقم الأزمة وانفجار الوضع داخل إسرائيل، والى حين حصول ذلك سنبقى على صمودنا ومواجهة أي عدوان.
وفي ما خص العلاقة مع سوريا، يسارع المصدر الى القول بانها جيدة ويكشف ان السيد حسن نصرالله رعى المفاوضات، معتبرا ان سوريا كانت ولا تزال عمقنا العربي.
ويقول ان خلاصة استراتيجيتنا في لبنان هي تثبيت العودة، المحافظة على الهوية الفلسطينية، المحافظة على الأمن والاستقرار في المخيمات، وتأمين العيش الكريم للشعب الفلسطيني، وليس لدينا أي مشاريع أخرى في لبنان.
وفي ما خص الأردن، قال: كنا نطمح أن يكون للأردن دور كبير في دعم القضية الفلسطينية لكن يبدو ان هناك ضغطا كبيرا عليه ولا ننتظر منه أي شيء.
وردّا على سؤال لفت الى ان قرارنا في اليوم التالي أن لا نبقى ممسكين بغزة بل سنكون شركاء مع الجميع.
ويخلص المصدر الى القول: ان المقاومة ما تزال في أوجّ قوتها، وعندما نتصل بهم داخل غزة يقولون لنا «حطوا اجريكم بمي باردة» قادرون على الصمود مهما طالت الحرب.
مشدّدا على ان حماس تقدّر كثيرا جهات الإسناد وهي لها تأثير كبير لا سيما المقاومة في لبنان، مؤكدا ان قرار محور المقاومة الحاسم هو اننا لن نسمح بهزيمة «حماس».