تمكّنت شركة الذكاء الاصطناعي “أوبن إي آي” من استرضاء سلطات البيانات الإيطالية ورفع الحظر الفعّال الذي تفرضه البلاد على “شات جي بي تي” الأسبوع الماضي، لكن معركتها ضدّ المنظمين الأوروبيين لم تنته بعد.
في وقت سابق من هذا العام، واجه برنامج الدردشة “شات جي بي تي” الشهير والمثير للجدل عقبة قانونية كبيرة، حين حُظر في إيطاليا واتّهمت هيئة حماية البيانات الإيطالية (GPDP) الشركة المطوّرة له بانتهاك قواعد حماية البيانات في #الاتحاد الأوروبي، ووافقت الشركة على تقييد الوصول إلى الخدمة في إيطاليا أثناء محاولتها إصلاح المشكلة، ليعود البرنامج إلى العمل في 28 نيسان، مع معالجة “أوبن إي آي” لمخاوف الهيئة دون إجراء تغييرات كبيرة على الخدمة.
وقالت الهيئة إنها ترحّب بالتغييرات التي أدخلها “شات جي بي تي”، ومع ذلك، من المحتمل أن تكون المشكلات القانونية للشركة قد بدأت للتو، إذ يحقّق المنظمون في العديد من البلدان في كيفية جمع أدوات الذكاء الاصطناعي هذه وإنتاجها، مستشهدين بمجموعة من المخاوف من جمع الشركات لبيانات التدريب غير المرخصة إلى ميل روبوتات المحادثة إلى نشر معلومات مضللة.
ويطبّق الاتحاد الأوروبي اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، وهي واحدة من أقوى أطر عمل الخصوصية القانونية في العالم، والتي من المحتمل أن تمتد آثارها خارج أوروبا على أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي الوقت نفسه، يضع المشرّعون قانوناً يعالج مشاكل الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد، ومن المحتمل أن يكون ذلك بداية لعصر جديد من التنظيم لأنظمة مثل “شات جي بي تي”.
يُعدّ “شات جي بي تي” أحد أشهر الأمثلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو مصطلح شامل يغطي الأدوات التي تنتج نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو وصوتاً بناءً على مطالبات المستخدم، وبحسب ما ورد أصبحت الخدمة واحدة من أسرع تطبيقات المستهلكين نمواً في التاريخ بعد وصولها إلى 100 مليون مستخدم نشط شهرياً بعد شهرين فقط من إطلاقها في تشرين الثاني 2022.
يُستخدم “شات جي بي تي” لترجمة النص إلى لغات مختلفة، كتابة المقالات الجامعية، وإنشاء الرموز البرمجية وغيرها. لكن النقّاد سلّطوا الضوء على نتائج “شات جي بي تي” غير الموثوق بها وقضايا حقوق النشر وممارسات حماية البيانات.
وكانت إيطاليا أول دولة تتخذ خطوة لإيقاف “شات جي بي تي” عن “كسر القانون العام” لحماية البيانات، إذ تزعم الدولة أن “شات جي بي تي” يقدّم معلومات غير دقيقة أو مضللة، وفشل في إخطار المستخدمين بممارسات جمع البيانات الخاصة به، وعدم منع الأطفال دون سن 13 عاماً من استخدام الخدمة بشكل مناسب.
أمرت “أوبن إي آي” بعد ذلك بالتوقف فوراً عن استخدام المعلومات الشخصية التي تم جمعها من المواطنين الإيطاليين في بيانات التدريب الخاصة.
لم تتخذ أي دولة أخرى مثل هذا الإجراء، ولكن منذ آذار، أطلقت ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي – ألمانيا وفرنسا وإسبانيا – تحقيقاتها الخاصة في “شات جي بي تي”، وتقوم كندا بتقييم مخاوف الخصوصية بموجب قانون حماية المعلومات الشخصية والوثائق الإلكترونية، وإذا طلبت هذه الجهات من “أوبن إي آي” إجراء تغييرات، فقد تؤثر على كيفية تشغيل الخدمة للمستخدمين في جميع أنحاء العالم.
ويمكن تقسيم مخاوف المنظّمين إلى فئتين: من أين تأتي بيانات تدريب “شات جي بي تي” وكيف تقدّم “أوبن إي آي” المعلومات لمستخدميها.
يستخدم “شات جي بي تي” نماذج اللغات الكبيرة (LLM) الخاصة بـ”جي بي تي 3,5″ و”جي بي تي 4″، والتي يتم تدريبها على كميات هائلة من النصوص التي ينتجها الإنسان، وتقول الشركة إن النموذج يعتمد على “مجموعة متنوعة من مصادر البيانات المرخصة والمنشأة والمتاحة للجمهور، والتي قد تتضمن معلومات شخصية متاحة للجمهور”.
من المحتمل أن يشكل هذا مشاكل كبيرة بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات، الذي سُنّ في 2018 ويغطي كل خدمة تجمع أو تعالج البيانات من مواطني الاتحاد الأوروبي، وتتطلب قواعد اللائحة العامة لحماية البيانات من الشركات الحصول على موافقة صريحة قبل جمع البيانات الشخصية، وأن يكون لديها مبرر قانوني لسبب جمعها، وأن تكون شفافة بشأن كيفية استخدامها وتخزينها.
ويدّعي المنظمون الأوروبيون أن السرية حول بيانات تدريب “أوبن إي آي” تعني أنه لا توجد طريقة لتأكيد ما إذا كانت المعلومات الشخصية التي تم إدخالها قُدّمت بموافقة المستخدم، وقد جادلت الهيئة على وجه التحديد بأن “أوبن إي آي” ليس لديها “أساس قانوني” لجمعها في المقام الأول.
ثم هناك “حق النسيان” في اللائحة العامة لحماية البيانات، والذي يتيح للمستخدمين مطالبة الشركات بتصحيح معلوماتهم الشخصية أو إزالتها بالكامل، لذا قامت “أوبن إي آي” بتحديث سياسة الخصوصية لتسهيل هذه الطلبات.
وربما تم جمع بعض هذه البيانات من القاصرين، فبينما تنص سياسة “أوبن إي آي” على أنها “لا تجمع معلومات شخصية عن قصد من الأطفال دون سن 13 عاماً”، لا توجد طريقة للتحقق من العمر لاستخدام الخدمة. هذا الأمر لا يتوافق مع قواعد الاتحاد الأوروبي، التي تحظر جمع البيانات من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً وتتطلب في بعض البلدان موافقة الوالدين للذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً.
إن شعبية “شات جي بي تي” وهيمنته الحالية على سوق الذكاء الاصطناعي تجعله هدفاً جذاباً للدعاوى القضائية، ولكن لا يوجد سبب لعدم تعرض منافسيه والمتعاونين معه، مثل “بارد” و”بينغ”، للتدقيق أيضاً، فقبل “شات جي بي تي”، حظرت إيطاليا منصة روبوت الدردشة “Replika” بسبب جمع معلومات عن القاصرين، ولا زال محظوراً حتى الآن.
وفي عام 2021، قدّم الاتحاد الأوروبي مسودة أولى لقانون الذكاء الاصطناعي (AIA)، وهو التشريع الذي سيعمل جنباً إلى جنب مع القانون العام لحماية البيانات (GDPR)، وسيُطبَّق القانون على أدوات الذكاء الاصطناعي وفقاً لمخاطرها المتوقّعة.
لكن تمرير القوانين الجديدة قد يستغرق بعض الوقت، فبعد أن توصّل المشرعون في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مؤقت لقانون الذكاء الاصطناعي في 27 نيسان، ستصوت لجنة على المسودة في 11 أيار، ومن المتوقع تقديم الاقتراح النهائي في منتصف حزيران، بعد ذلك، سيتعين على المجلس الأوروبي والبرلمان والمفوضية الأوروبية حل أي نزاعات متبقية قبل تنفيذ القانون. وإذا سارت الأمور بسلاسة، يمكن اعتمادها بحلول النصف الثاني من عام 2024.