مساوئ الزواج المدني … بين التشريع والقانون

كتبت دانا خليفة

كتبت دانا خليفة


لا يزال موضوع الزواج المدني موضوع نقاش، حيث إن المرة الاولى التي نوقش فيها في البرلمان كانت في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث حصلت كل من المحاكم الدينية ولا سيما المسيحية منها على السلطة الكاملة لتنظيم قوانين الأحوال الشخصية، ومع ذلك واجهوا معارضة من أعضاء نقابة المحامين العلمانيين الذين هددوا بالإضراب آنذاك.

وعلى الرغم من شيوع الزواج المدني وقوانين الأحوال الشخصية التابعة للطوائف في لبنان، لا يزال بعض المواطنين يسعون وراء إقرار الزواج المدني، وبما أن هذا الخيار غير موجود في النصوص القانونية، يسافر البعض إلى قبرص أو اليونان. حيث ان القانون اللبناني يعترف بالزواج المدني على اعتباره اجنبيا ويتبع الزوجان قانون الأحوال الشخصية للبلد الذي عقد زواجهما فيه. إذ يمكن للقاضي الناظر بأيّ نزاع ناشئ بين الزوجين، أن يقرّر عدم تطبيق القانون الأجنبي على عقد زواجهما، لانتفاء ايّة روابط بين هذا العقد والبلد الأجنبي، لا سيّما وانّ إطلاق حرية الزوجين في اختيار قانون الزواج بدون ايّة شروط تبعيّة وبدون توفر روابط للزوجين مع البلد الأجنبي الذي اختارا قانونا.

ويبرز موقف الإسلام الرافض بشدة للزواج المدني، حيث وضح عدد من الفقهاء المسلمين أسباب رفضهم المطلق لهذا النوع من الزواج، وبينوا الفرق بينه وبين الزواج الشرعي. ومن هذه الأسباب عدم اشتراط المهر الذي عنصر أساسي لصحة العقد الشرعي. كما أن الفقهاء قد ميزوا بين الزواج المدني كعقد نكاح من ناحية الصيغة وفيما يترتب على الزواج من مفاعيل كالطلاق و الإرث والحضانة.

بينما كان موقف مشيخة العقل الدرزية واضح برفضها الزواج المدني، حيث تم تبرير ذلك على أنه “في مذهب التوحيد لا يوجد خلاف جوهري بين عقد الزواج الديني والمدني، كما أن الزواج المدني لا يعطي للمرأة حقوقا أكثر مما يعطيها اياها العقد الديني، فيحق للزوجة ذكر الشروط التي تشاء في عقد الزواج شرط ألا يتعارض مع الشرع والدين”.

أما عند الطائفة المسيحية فهي ترفض رفضا تامًا الزواج المدني بسبب “أن الزواج هو سر من أسرار الكنيسة والمسيح هو من رسم سر الزواج، فهو اتحاد دائم يشبه اتحاد المسيح وكنيسته، وبالتالي المؤمن المسيحي لا يمكنه أن يستثني سرا من الأسرار، كون يسوع المسيح يتجسد في وحدة الأسرار.”

أما فيما يتعلق بمواقف بعض الجهات الرافضة للزواج المدني في لبنان فذلك بسبب أنه “نابع من عدم وضوح ماهية المدنية عندهم،اي بمعنى تغييب مبدأ المرجعية لقانون واضح وصريح على أنه لا يميز بين انثى وذكر وبين طائفة واخرى، بل يضمن حق المواطن عملا بالمادة 9 من الدستور اللبناني التي تنص على “حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية الشعائر الدينية تحت حمايتها”.

وبالعودة إلى تاريخ اقتراح أول قانون مدني للأحوال الشخصية فقد تم اقتراحه لأول مرة النائب ريمون اده، ولحقه عدد من اقتراحات لمشاريع قوانين التي تتعلق بالأحوال الشخصية، وفي كل مرة يطرح فيها كان يواجه هجوم مواقف رافضة له.

الاختراق الهام الذي تحقق بعد ذلك كان عام 2011 حيث أصدر وزير الداخلية زياد بارود تعميم يقضي بشطب المذهب في السجل. بعدها سجل الوزير مروان شربل فجوة في النظام اللبناني الطائفي من خلال توقيعه 13 وثيقة زواج مدني، ليصبح أول وزير يطبق القانون و يعطي الحق في الزواج المدني.

كما تحدث النائب القسيس إدغار طرابلسي عن قانون الزواج المدني الاختياري الذي أكد أنه “لا يتعارض ابدا مع الدين وأن السلطة المدنية هي التي تنظم العقد بعد إجراء الزواج الديني وكل المتزوجين يسجلون زواجهم في الأحوال الشخصية وقد آن الأوان ليقوم لبنان بهذه الخطوة الرائدة مثله مثل بقية الدول”

كما أشار النائب فريد البستاني إلى “أن اقتراح قانون الزواج المدني الاختياري يشكل خطوة مهمة على طريق إرساء الدولة المدنية، كما ان الاحوال الشخصية وتحديثها وتوحيدها تعتبر لإنشاء هذه الدولة، وهي تعتبر خطوة مهمة على صعيد تكريس حرية الاختيار، ولا سيما اختيار النظام وشكل العقد الذي على أساسه يتم الزواج، كما أن الزواج المدني الاختياري لا يتعارض مع مع الزواج الديني خلافا لما يعتقده البعض إنما يعطيهم اختياراكبر لكل الذين يريدون اختياره.

في المحصلة لا شك في أن معالجة قضية الزواج المدني تحتاج إلى الهدوء والتروي، و بنوع أخص إلى المعرفة والتمييز والمناقشة الموضوعية بعيداً عن الانفعالات والتعليقات السطحية والسريعة، فبعض التعليقات عبر وسائل الإعلام تدل على جهل مُخيف للأمور الدينية والحقوقية في شأن الزواج المدني، وما يترتب عليه من واجبات وحقوق، وما يترك من أثر على العائلة والحياة العائلية.

Exit mobile version