كتب رمزي عوص
أذكر أنني عندما دخلت مخيم عين الحلوة لأول مرة منذ 24 عام مع قريب لي بعد عودتي من اغترابي الأول، سألته هل كل هؤلاء فلسطينيين، فأجابني ضاحكا بنعم، فقلت له بأنني كنت أشعر بالفخر عندما كنا نجتمع بضع عشرات من الفلسطينيين في الغربة.
كنت أشعر برغبة باحتضانهم واحدا واحدا، كنت ابتسم في وجه الجميع، كنت أشعر بانتماء غريب لهذا المخيم كون والدي ترعرع فيه، حيث كان يحدثني عن التكافل داخل المخيم حتى في أسوأ الظروف.
حاولت أن أفعل شيء لابناء المخيم، فتعلمت الصحافة من خلال خلال موقع إلكتروني انشأته بعد ذلك بعدة سنوات لكسر الصورة النمطية السلبية عن ابناء المخيم، كنت سببا من انشاء أول تجمع شبابي تحت اسم (اللقاء الشبابي الفلسطيني)، وقمت بعمل دورات صحفية لابناء المخيم خاصة مع ظهور الاعلام المجتمعي مواكبة لثورة الانترنت مع وسائل التواصل الاجتماعي، بالتعاون مع صحفيين مخضرمين وأستاذ جامعي متخصص في الاعلام، كما كنت عضوا مؤسسا في منتدى الاعلاميين الفلسطينيين في لبنان، وكنت دائما أقول في محاضراتي أن الاعلام الجديد جعل البيطري يصبح اعلامي، وذلك في الاشارة لي كطبيب بيطري.
ماذا حدث للمخيم؟
فمنذ 12 عام تقريبا تغير المخيم جذريا، اشتباكات لمحاور عدة، دخول التطرف الفكري للمخيم، وهنا لا أقصد (الاسلام) لأن التطرف مرتبط أيضا في الفكر السياسي ونمط الحياة وحتى العصبية للمنطقة والمكان والرؤية والانتماء.
لماذا اكتب هذا المقال؟
فبعد الاشتباكات الأخيرة في المخيم، وأنا أتابع الأخبار من غربتي الثانية، أشعر أن قلبي يعتصر على مخيمي، فاجواء من التوتر تسود مخيم عين الحلوة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الوتساب، وهي اشاعات ناتجة عن أشخاص غير مكلفين من أحد، مؤيدين لذلك الطرف أو هذا الطرف، وباعتقادهم انهم يساهمون بتقوية موقف الطرف الموالين له، من خلال صناعة رأي عام يؤيد الجهة المنتمين إليها، وهذا فعلا مايسبب أجواء غير طبيعية في المخيم ان كانت عسكرية او سياسية، والأصعب هو وقع تلك الاشاعات على الأهالي المنكوبين الذين يبادرون بالهروب من المخيم خوفا من تلك الاشاعات، خاصة مع انتهاء مهلة تسليم المتهمين باغتيال اللواء العرموشي قائد الأمن الوطني في مخيم عين الحلوة يوم الثلاثاء القادم.
ولكن ما أثلج صدري عدد من الشباب الذين أعتقد أني أثرت بهم وبخطابهم يوما ما، فحديثم جامع، وكأنهم يحملون ماكينات اطفاء الحريق يحاولن اطفاء تلك الشائعات هنا أو هناك، كل بحسب طريقته وأسلوبه.
ماهي حقيقة الوضع في المخيم؟
تواصلت مع قيادات محلية فلسطينية من عدة أطراف أكدوا لي أن لا استنفارات عسكرية جديدة المخيم، ولكن الوضع متوتر جراء تلك الاشاعات والتسريبات الاعلامية، فالاعلام هو ما قد يسبب الاشتباك القادم في المخيم ان حدث فعلا.
مادور شبكات التجسس في الملاذ الأخير؟
مخيم عين الحلوة هو الملاذ الأخير لقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فالبلد يعاني من ضائقة اقتصادية خطيرة يتبعها تلوث مجتمعي وتطرف فكري خطير، كذلك هو وضع وكالة الأونروا التي تعاني من نقص في تمويلها واتهام المجتمع الدولي بانهاءها، بالاضافة الى ما يعانيه كيان الاحتلال الاسرائيلي في مجتمعه ومحاولة حكومته تنفيس ذلك من خلال انتصارات هنا او هناك.
وطبعا لا يجب أن ننسى أن هناك شبكات تجسس تعمل في الليل والنهار لضرب الاجماع الفلسطيني حول مقاومة المحتل كل حسب أسلوبه ورأيه، لذلك لا أستبعد أن كل تلك الاشاعات والتسريبات الاعلامية ناتجة عن عملاء لشبكات تجسس تعمل لصالح الاحتلال الاسرائيلي، فالاشتباك القادم في المخيم هو الاشتباك الأخير الذي سيقضي على حقوقنا كلاجئين فلسطينيين هدفهم الأول والأخير والنهائي تحرير فلسطين والعودة إليها.
عين الحلوة الملاذ الأخير، فانت من سيختار ان كنت ستكون في طرف ابناء جلدتك ام في طرف كيان الاحتلال الاسرائيلي؟