كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
بعد المباركة لغزة الأسيرة وأهلها، بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح اليوم، لا بُدَّ من نظرة إلى العوامل التي سرّعت بالتوصّل إلى التوقيع على هذا الاتفاق، ومنها بما لا يدع مجالاً للشك هو العمليات اليمنية النوعية على الداخل الفلسطيني المحتل، منها بصاروخ فرط صوتي، أو باستهداف الممر الأساسي على البحر الأحمر، ما يؤكد أن محور المقاومة رغم الخسائر التي مُني بها، بارتقاء عدد كبير من القادة شهداء على طريق القدس، لا يزال جاهزاً ويقوم بالتصدي وبالإسناد المستمر، مقابل إرباك غير معلن لدى العدو الإسرائيلي وتراجعه في ساحات القتال، إضافة إلى عجزه الاستراتيجي عن تحقيق أي من أهداف في غزة ولبنان وحتى اليمن، الذي فشلت أيضاً الإدارة الأمريكية في الحشد العالمي من أجل مواجهته، والقضاء على مقاوميه.
لا تختبروا صبرنا!!
من هنا وبصريح العبارة، استطاع محور المقاومة، سواء في اليمن أو الداخل الغزاوي أو حتى من جبهة الإسناد اللبنانية، فرض شروط الحل على العدو، وأجبره على إيقاف الحرب، بعدما تمكنت عملياته النوعية من خرق منظومة الجيش الإسرائيلي الذي لطالما تغنّى بها، محققاً نصراً جديداً لفلسطين عموماً ولقطاع غزة على وجه التحديد، ولشعوب المنطقة والأحرار حول العالم.
لكن ما أكده الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، يتماهى مع مشهدية المخاض الجديد للمنطقة، وكما في لبنان كذلك في فلسطين، حيث المقاومة لا تزال يدها على الزناد، وشعارها “نحن صابرون.. فلا تختبروا صبرنا”، خاصة مع ظن الصهيو أمريكيين أن خارطة المنطقة الجديدة لصالحهم، وعلى حساب المقاومة، لكن الواقع يؤكد أن ما تشهده المنطقة هو عامل جديد في هذا المخاض الذي ستمضي فيه المقاومة إلى أبعد الحدود لاعتبارات وتكتيكات خاصة، وخير دليل على ذلك، الاجتماع الروسي – الإيراني الذي خلص إلى توقيع استراتيجية أمنية – سياسية تستقرئ ما ستؤول إليه المرحلة الجديدة، في مواجهة تحالف واشنطن – تل أبيب لرسم ملامح “شرق أوسط جديد”.
إشهد يا تاريخ.. انتصرنا!
اليوم، وبعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أصبح من حق الغزاويين الفرح بانتصارهم الذي حققوه بعد 15 شهراً من الموت والحرب والدمار والخراب، لكنهم لم يرفعوا راية الانكسار والهزيمة، ولم تهبط رايتهم بل بقيت عالية، وانتصارهم جاء مكللاً بالدماء الطاهرة الذكية، وهو ما سيسجّله التاريخ بأن هذا الشعب الأعزل انتصر رغم كل التحشيد الذي قامت به الإدارة الأميركية، دعماً للجيش الاسرائيلي بهدف القضاء على المقاومة في غزة، وفرض “شرق أوسط جديد” بمعايير جديدة، لكن حتى هذه الخطوة فشلوا في الوصول إليها، وبعد تنفيذ كل الاتفاقيات ستستعيد المقاومة ترابطها وتثبيت وضعها أكثر وأكثر، وتحقيق جهوزية أكثر فاعلية بما فعلته خلال الحرب، خاصة أن الترابط الدولي والإقليمي بما يعني ذلك روسيا وإيران أصبح قائماً على تحقيق الأمن وفرض استراتيجية دفاعية في المنطقة، في مواجهة الغطرسة الاميركية في المنطقة.
الكيان يتخبّط
يبقى الجدير بالذكر أن التصاعد المقاوماتي يقابله تصعيد في الخلافات داخل الكيان المحتل، وارتفاع وتيرة الصراع بين أعضاء حكومة اليمين المتطرف وبين رئيسها بنيامين نتنياهو وبن غفير وغيره، إضافة إلى عوامل عسكرية على علاقة بتطويع مَنْ اعترضوا على المشاركة في الحرب، كما محاكمة نتنياهو قبل “طوفان الأقصى”، كل هذه العوامل تراكمت مع استمرار العدوان على غزة، وصولاً إلى التهم الموجهة إلى نتنياهو واستدعائه لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، وطبعاً هو ما لم ولن يفعله، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي والأمني بسبب الصواريخ والمسيرات القادمة من اليمن ولبنان.