ما وراء استعداد أردوغان للقاء الأسد والمطلوب تركياً لانعقاده وضمان نجاحه
كتب حسن حردان في “البناء”:
عاد الحديث، هذه الأيام، بقوة عن إمكانية عودة العلاقات التركية السورية إلى ما كانت عليه قبل شنّ الحرب الإرهابية على سورية في آذار 2011، والتي انخرطت فيها الحكومة التركية.. فقد أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان في تصريحات متواترة عن تطلعه لعودة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه في الماضي واستعداده للقاء الرئيس بشار الأسد…
وقد عزز هذا المناخ دخول العراق على خط الوساطة بين أنقرة ودمشق، والتحضير لاجتماع سوري تركي عراقي روسي إيراني في العاصمة العراقية بغداد قريبا..
على أنّ الأسئلة التي تطرح في هذا السياق هي…
ما هي الدوافع وراء تصريحات أردوغان الجديدة والتي اعتبرت تحوّلاً ولو بالشكل؟
وهل لدى الرئيس أردوغان استعداد لترجمة تصريحاته إلى خطوات عملية تطالب بها سورية كقاعدة أولية لأيّ لقاء يمكن أن يجمعه مع الرئيس الأسد؟
أولاً، في العوامل التي تقف وراء إبداء أردوغان رغبته بعودة العلاقات مع سورية إلى ما كانت عليه سابقاً…
في هذا السياق يمكن رصد جملة من العوامل:
العامل الأول، تفاقم الأزمة في تركيا بسبب استمرار العبء الاقتصادي والاجتماعي لوجود نحو أربعة ملايين نازح سوري في الأراضي التركية، والذي بات يولد مناخاً عنصرياً متزايداً في وسط القواعد الشعبية لحزب العدالة.. وتسبّب باعتداءات ضدّ السوريين في المناطق الحدودية مع سورية، أدّت إلى احتجاجات وحرق أعلام تركيا في مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية في شمال غرب سورية التي تتواجد فيها أيضا قوات الاحتلال التركية..
العامل الثاني، التحولات الحاصلة في المنطقة على خلفية فشل الحرب الإسرائيلية في القضاء على المقاومة في قطاع غزة، ونجاح استراتيجية المقاومة في إغراق جيش الاحتلال في حرب استنزاف انخرطت فيها قوى محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسورية بدعم قوي من إيران، مما أدخل “إسرائيل” في مأزق حقيقي بات يزداد تعمّقاً كلما استمرّ غوص الجيش الإسرائيلي في رمال غزة وازداد عجزه عن تحقيق النصر، وعدم قدرته شنّ الحرب الواسعة للخروج من مأزق فشله والتهرّب من دفع الثمن السياسي لفشله في القضاء على المقاومة.. ومعارضة واشنطن القوية للحرب الواسعة.. كلّ ذلك أشعر أردوغان بأنّ الاتجاه يسير لمصلحة محور المقاومة وتعزيز قوته في المنطقة وبالتالي نشوء موازين قوى جديدة في غير مصلحة أميركا و”إسرائيل” تضعف من نفوذهما في المنطقة، وتعزز نفوذ قوى ودول محور المقاومة مما يصبّ في مصلحة سورية وتعزيز موقفها المستقلة، ودفع المزيد من الدول في المنطقة والعالم بما فيه دول أوروبية بالانفتاح عليها الأمر الذي يدخل المنطقة في مرحلة جديدة تنهي زمن الرهان على إمكانية ابتزاز الدولة الوطنية السورية للحصول منها على تنازلات سياسية فشلت الحرب الإرهابية في تحقيقها..
العامل الثالث، إدراك تركيا بأنّ إعادة إنعاش الاقتصاد التركي مع الدول العربية ولا سيما الخليجية مدخله وبوابته الانفتاح على الدولة السورية، وان لا سبيل لتحقيق ذلك إلا بالعودة الى سياسة صفر مشاكل مع دول جوار تركيا وفي المقدمة سورية خصوصاً بعد أن بات محسوماً سقوط كلّ الرهانات على تغيير نظام الحكم الوطني المستقل في سورية.
العامل الرابع، اتجاه الأحزاب الكردية في شمال شرق سورية إلى إجراء انتخابات محلية في سياق السعي إلى محاولة تكريس المشروع الانفصالي عن الدولة الوطنية السورية، الأمر الذي يشكل بنظر أنقرة تشجيعاً لأكراد تركيا على السير في المنحنى ذاته، مما تعتبره الحكومة التركية تهديداً لأمنها القومي.
خامساً، سقوط الرهان الغربي على هزيمة روسيا في أوكرانيا، وتبيّن انّ مسار الحرب بات لمصلحة موسكو، وانّ الغرب بقيادة أميركا أصبح جلّ همّه منع هزيمة النظام الأوكراني، ويسعى إلى ذلك من خلال تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والذخائر وإرسال طائرات “أف 16” كان يتردّد بتزويدها، في محاولة لوقف التقدم المتواصل للجيش الروسي على محاور القتال في ظلّ تراجع مستمرّ للقوات الأوكرانية في خاركوف ودونيتسك..
هذه التطورات العسكرية الى جانب نجاح روسيا في احتواء العقوبات الغربية، وتحقيق نمو متزايد في اقتصادها بلغ عام 2023 نحو 3,6 بالمائة، اعتبر الأعلى خلال العقد الماضي، أدّت إلى تعزيز قوة موقف الرئيس فلاديمير بوتين مما مكنه من الردّ على السياسات العدوانية الغربية ضدّ روسيا وتسليح أوكرانيا بأسلحة متطورة، بالتوجه الى تزويد الدول المناهضة لأميركا بأسلحة روسية متطورة، وإقدامه على زيارة كلّ من كوريا الديمقراطية وفيتنام وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكرية واقتصادية معهما في رسالة قوية موجهة إلى واشنطن.. وهو الأمر الذي يجعل أردوغان مضطراً إلى إعادة النظر في إدارة الظهر للجهود الروسية لدعم الحلّ السياسي في سورية الداعمة لعودة سيادة الدولة السورية على كلّ أراضيها ووضع حدّ لوجود الجماعات الإرهابية المسلحة في شمال سورية وإنهاء الحالة الانفصالية شرق الفرات.
ثانياً، انّ تصريحات أردوغان لا شك تشكل من حيث الشكل تطوراً لكنها غير كافية، لأنّ ما هو مطلوب ان تجري ترجمتها بمواقف وخطوات عملية تعبّر فعلاً عن استعداد جدي بسحب القوات التركية المحتلة من الأراضي السورية، وتنفيذ اتفاقات استانة لإنهاء وجود الجماعات الإرهابية في شمال غرب سورية، بدءاً من تسليم طريق m4 الى الجيش العربي السوري وسحب الجماعات المسلحة بعيداً عن محيط الطريق إلخ… وعندها سوف تكون سورية مستعدة لملاقاة هذا الاستعداد التركي بالانفتاح على التعاون المشترك بما يؤدّي أيضاً الى خطوات مقابلة لإنهاء الظاهرة الانفصالية في شرق الفرات.. ايّ أن تكون هناك خطوات من الطرفين تنهي أسباب الأزمة بين البلدين وتتمّ العودة إلى اتفاق أضنة الذي كان معمولاً به قبل تدخل تركيا في شؤون سورية الداخلية وقيامها بدعم الجماعات الإرهابية المسلحة وإدخالها إلى الأراضي السورية عبر تركيا مما أدّى إلى إضعاف سيادة الدولة السورية في شمال شرق سورية وظهور قوات قسد الكردية التي تعتبرها انقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتهديداً لأمن تركيا..
ثالثاً، انطلاقاً مما تقدّم جاءت تصريحات الرئيس بشار الأسد رداً على تصريحات أردوغان، لتضع مجدداً النقاط على الحروف، بأنّ ما هو مطلوب ان يسبق ايّ لقاء، بينه وبين أردوغان، وضع قواعد وخطوات ملموسة تقارب أسباب الأزمة.. وكيفية معالجتها كي يًعقد اللقاء ويحقق النجاح، ولا يكون مجرد اجتماع شكلي لالتقاط الصور.. وهو ما يتطلب إعلاناً تركياً واضحاً بوضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سورية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية، وتنفيذ اتفاقات استانة.. ولهذا شدّد الرئيس الأسد على أنّ المشكلة ليست في لقاء أردوغان وإنما في مضمون اللقاء..