كتب محمد بلوط في “الديار”:
ما هي فرصة انهاء الحرب «الاسرائيلية» ووقف النار في لبنان وغزة، في الفترة الانتقالية للحكم في الولايات المتحدة الاميركية بعد فوز دونالد ترامب؟ ثمة اسئلة مطروحة حول امكان تحقيق هذا الهدف قبل ان يتسلم الرئيس الاميركي الجديد مهامه في ٢٠ كانون الثاني المقبل .
منذ بدء الحرب على غزة، وخلال تطور المواجهات مع العدو على جبهة لبنان، بقيت ادارة الرئيس بايدن تمارس لعبة ادارة الحرب، فاكثرت من الدعوات والكلام وقللت من الافعال، بل شجعت ايضا نتنياهو وحكومته المتطرفة على المضي في حربه واجرامه، من خلال تزويد جيش العدو بشحنات هائلة من القنابل الفتاكة والسلاح والذخيرة .
وفي الشهور القليلة التي سبقت الانتخابات الاميركية، تحولت هذه الادارة الى ادارة هزيلة، وخضعت الى ابتزاز نتنياهو، مطلقة العنان له في التمادي بما سعى ويسعى اليه .
وفي المحاولة الاخيرة التي تمثلت بجولة وزير الخارجية بلينكن الشرق اوسطية، واستئناف مهمة الموفد الرئاسي اموس هوكشتاين، لم تبدل ادارة بايدن من اسلوبها ونهجها، على الرغم من انها عولت على نجاح مسعاها لتحقيق وقف النار في لبنان وصفقة لتبادل الاسرى في غزة، لاستخدام هذا الانجاز كورقة مهمة في معركة المرشحة الديموقراطية كاملا هاريس .
ووفقا لمصادر سياسية فان الخسارة المذلة التي لحقت بهاريس وبالحزب الديموقراطي، تجعل ادارة بايدن في الفترة القصيرة الباقية من عمرها ضعيفة ومسلوبة الارادة، الامر الذي يعطي انطباعا بانها لن تستطيع في هذه الفترة ان تحقق ما عجزت عنه قبل الانتخابات وفوز ترامب والحزب الجمهوري .
وترى هذه المصادر انه من الصعب بعد الانقلاب الكبير الذي احدثته الانتخابات الاميركية، التعويل على قدرة او رغبة ادارة بايدن في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب في لبنان وغزة. كما أن رئيس وزراء العدو، الذي تخلص من خصومه او من الذين عارضوا رأيه مثل وزير الدفاع غالانت، لن يعطي هذه الادارة المنصرفة ما لم يعطها في أوج حضورها .
وتقول مصادر اخرى ان هذه القراءة ليس بالضرورة ان تكون الوحيدة والصحيحة، اذ ان ادارة بايدن بعد خسارة الحزب الديموقراطي ومرشحته، باتت من الآن وحتى تسلم ترامب الرئاسة، متحررة اكثر من اي ضغوط، وقادرة على تعديل ايقاعها لفرض او انجاح الجهود الرامية الى وقف النار في لبنان وغزة، شرط ان تمارس ضغطا فعالا على نتنياهو .
وبرأي هذه المصادر ان هناك آمالا في التوصل الى وقف النار في لبنان في غضون اسابيع قليلة، لاسباب اخرى مهمة ومؤثرة بشكل اساسي .
ولعل ابرز هذه الاسباب التطورات الميدانية التي عكست منذ اندلاع المعركة البرية في الجنوب، صورة لم يكن العدو الاسرائيلي يتوقعها، حيث تمكن حزب الله والمقاومة من افشال هجمات فرق النخبة لهذا العدو على كل المحاور، واوقع فيها خسائر كبيرة غير محسوبة .
ورغم حدة وشراسة الهجمات «الاسرائيلية» المدعومة بالطيران والمدرعات والمدفعية، لم تتمكن القوات «الاسرائيلية» بعد اكثر من شهر من تحقيق نجاح يذكر، سوى التدمير وشن الغارات على المدن والقرى بحجة استهداف مراكز للحزب .
والى جانب هذا النجاح في المواجهات البرية، اكد حزب الله احتفاظه بقدرة عالية من الصواريخ والمسيرات الهجومية وغيرها، واستمر منذ اندلاع الحرب على جبهة لبنان، رغم ما اصابه من ضربات مؤلمة، بقصف كل مناطق الجليل، ووسع دائرة استهدافاته مؤخرا بشكل شبه يومي لتشمل «حيفا» و”عكا» و”صفد» و”طبريا» و”تل ابيب» وما يسمى بمناطق الوسط او المركز .
وبرأي المصادر، ان الميدان يشكل عاملا اساسيا لاجبار العدو على القبول بوقف النار، وان ما حصل حتى الآن يعزز اسقاط رهانات نتنياهو على الاستمرار في الحرب طويلا. وباعتقاد هذه المصادر ان نتنياهو بدأ يواجه معارضة متنامية على المستوى السياسي بعد تخلصه من خصومه، حتى الذين كانوا محسوبين على حزبه مثل غالانت، وكذلك من الجيش ايضا .
وعلى صعيد تأثير فوز ترامب المعروف بعلاقته المتينة بنتنياهو، تذكر المصادر بكلامه الشهير الذي وجهه منذ فترة وقوله له «انه الوضع» قبل موعد الولاية الرئاسية الجديدة . وترى المصادر ان هناك اكثر من تفسير لهذه العبارة، لكن يبدو واضحا ان ترامب لا يريد ان يتحمل ثقل هذا الوضع مع بداية عهده، ويفضل انهاء الحرب في لبنان وغزة قبل مباشرة مسؤولياته، بغض النظر عن طريقة تحقيق وقف النار على الجبهتين .
ويمكن القول ان فرصة وقف النار في لبنان في الفترة الانتقالية للحكم في اميركا تبقى موجودة بنسبة جيدة، لكن تحقيق هذا الهدف خلال الاسابيع القليلة يعتمد على ٣ عناصر اساسية: الميدان، الضغط الدولي والاميركي على «اسرائيل»، وسقوط وتراجع نتنياهو عن الاستمرار في الرهان على الحرب .