كتب درويش عمار في “اللواء”:
عندما اجترح الرئيس نبيه بري وعلى طريقته المحببة وبذكاء وقّاد يوماً ما تسمية «سين – سين» نسبة للتقارب السعودي – السوري في حينه، انتشرت تلك التسمية كالنار في الهشيم وبات التداول بها على كل الشفاه والألسن عند المعنيين بالشأن اللبناني بشكل خاص بالتزامن مع الأزمة الكبيرة التي كان يتخبط بها لبنان آنذاك على مختلف المستويات والصعد لا سيما السياسية والأمنية والاقتصادية منها.
أما وقد شاءت الصدف ان يبدأ الحرف الأول من اسمي كل من الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة العتيدة نواف سلام بحرف النون، فلا بد من أن يقارب ذلك تسمية الـ «نون – نون» اسوة بالـ«سين – سين» علّ وعسى أن يبرز التوافق بينهما في الحاضر والمستقبل ويبقى طاغياً وهذا هو الأهم نظراً للدور الوطني والسياسي الذي يضطلع به كل من الرجلين وللمسؤوليات الجسام التي تقع على عاتقهما في هذه المرحلة الدقيقة والحسّاسة بالذات من تاريخ لبنان، ومن خلال دورهما في إيجاد القواسم المشتركة وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف والأطياف اللبنانية تسهيلاً لولادة الحكومة الجديدة بأيسر السبل وصولاً الى تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا بعون الله تعالى وبدعم وبركة الرئيس جوزاف عون، الذي أيضاً ومن غريب الصدف أن يكون حرف النون هو الحرف الأخير من اسم عائلته ولعلّ هذا يجب أن لا يكرّس حرف «النون» ترويكا سياسية بين الرؤساء الثلاثة، وعند ذلك يؤذن لصفارة الإنطلاق البدء بالخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل نحو ما يُحكى ويُراد لإعادة لبنان الى مصاف الدول والشعوب الاقليمية والدولية وبناء دولة القانون والمؤسسات، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا البلد الذي كاد أن يدمّر عن بكرة أبيه سياسياً وأمنياً واقتصاديا ومالياً ونقدياً واجتماعياً، لولا لطف الله به وما بقي من حكمة ودراية عند اللبنانيين ومحبي هذا البلد.
من هنا، وبهذه المناسبة لا بد أن نستذكر الإعلامي المعروف والمذيع الراحل شريف الأخوي الذي أطلق عبارة «سالكة وآمنة» ابان حرب لبنان المشؤومة على سلامة الطرق و«المعابر» بين المناطق وقد شكّلت تلك العبارة آنذاك وحتى يومنا هذا علامة فارقة للدلالة على توصيف الأمور عند كل شدّة تعترض مسار الأمور في بلد الأرز لبنان.
إذن ما بين «سين – سين» و«سالكة وآمنة» لا بد من أن ننتظر من «نون – نون» ما نبني عليه من المزيد من التفاهم والتقارب لمواجهة الأحداث والتطورات المتسارعة، مع طرح السؤال تلو السؤال على أنفسنا وعلى الغير: وماذا بعد؟ والى أين المسار والمصير في هذا البلد؟
فمنذ تكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة العتيدة من قبل الرئيس جوزاف عون بعد استشارات نيابية غير ملزمة، الّا انها قد رست على توافق الجميع بضرورة ووجوب تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن تلبي طموحات وآمال اللبنانيين جميعاً في هذه المرحلة بأن تكون جامعة لخبراء واختصاصيين وتكنوقراط ومطعمة بأشخاص تسمّيهم الأحزاب والتيارات السياسية على أن لا يشوب تلك الأسماء أية شائبة في ما يتعلق بتاريخهم وسجلهم الوطني والسياسي والمهني، وأن تكون حكومة مصغّرة من ٢٤ وزيراً كما أعلن الرئيس سلام نفسه في هذا السياق.
وبالرغم من كل المحاولات التي جرت ولا تزال حتى الآن لتذليل الصعوبات والعقد من أمام الرئيس المكلف سلام، وإيصال تشكيلته الى بر الأمان، إلّا ان اللبنانيين لا يزالون ينتظرون بفارغ الصبر صدور مراسيم تلك التشكيلة إلّا ان فرملة المساعي والجهود المرتبطة بهذا الشأن ووضع المزيد من العصي في الدواليب أمام الرئيس المكلف تحت حجج وذرائع عديدة ناتجة عن المطالبة باقتسام الحصص والمكاسب دون استثناء أحد من الطامعين والطامحين للتوزير وطرح اسم من هنا واسم آخر من هناك في حين ان الأوضاع الخطيرة في البلد باتت تحتّم على الجميع تدارك الأسوأ على مختلف الصعد التي يعاني منها لبنان حالياً لا سيما التهديدات الإسرائيلية المستمرة وما يشهده الجنوب من أخطار محدّقه به خير دليل على ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار حكمة وتروّي الرئيس جوزاف عون في مقاربة الأمور ومحاولة تدوير الزوايا وترك فك العقد للرئيس سلام لأنه المعني الأول والأخير بالتشكيلة الوزارية الجديدة وهو الذي يحاول القيام به بصبر ورويّة وهدوء تقديراً منه للظروف الراهنة في البلد وتحضيراً لحكومة جامعة تنال ثقة المجلس النيابي ومعظم اللبنانيين، وعندها يكون قد أنجز مهمته بنجاح وسلام وتكون الحكومة الأولى في العهد الجديد. ومما قد يساعد على تسهيل مهمة الرئيس سلام التهافت الاقليمي والدولي باتجاه لبنان وعلى أعلى المستويات خاصة زيارة الرئيسين القبرصي والفرنسي وعودة المملكة العربية السعودية بشكل خاص والدول الخليجية الأخرى بعد غياب طويل لدعم ومساندة لبنان في هذه المرحلة.
إذا كان المشهد اللبناني لا يزال على حاله حتى الآن بالنسبة للتشكيلة الحكومية، وجهود الرئيس سلام لتخطّي الحواجز في هذا الإطار إلّا انه يبقى على الرئيس بري وهو رئيس السلطة التشريعية في لبنان دور كبير في تسهيل مهمة الرئيس سلام وتجاوز ما يمكن تجاوزه من مطالب قد تبدو لكل من الرئيس عون والرئيس سلام وبعض الجهات السياسية والحزبية الأخرى شبه تعجيزية لا سيما ما يتعلق بوزارة المال بالتحديد وليس بالضرورة أن يكون حكراً على شخص حزبي أو سياسي من «الثنائي»، على أن تتبلور الصورة بشكل أوضح قريباً تمهيداً للانطلاق بتنفيذ ما جاء في خطاب القسم من قبل الرئيس عون وإيجاد حكومة تُعنى بشكل خاص بالإصلاح الإداري والقضائي وبالتالي إيجاد قانون انتخابي عصري يلائم طموحات اللبنانيين جميعاً ومن ثم الانطلاق بمسيرة الاعمار خاصة في الجنوب والبقاع والضاحية وبيروت وسائر المناطق اللبنانية الأخرى، زد على ذلك وهو يبقى الأهم بإعادة أموال المودعين التي نهبت وسرقت من المصارف اللبنانية وتم تهريبها الى الخارج من دون حسيب أو رقيب.
المطلوب والمطلوب فقط تشكيل حكومة بأسرع ما يمكن قد تنقل البلد من ضفة الى ضفة اقتصادياً وسياسياً ونقدياً واجتماعياً وإعادة السمعة الدولية الطيبة الى لبنان وهذا ما كان قد خسره على مدى سنوات طويلة مما جعل الاستثمارات ورؤوس الأموال تنتقل الى خارج الحدود.
يبقى ان التوافق مطلوب ما بين «نون – نون» أي ما بين الرئيس نبيه والرئيس نواف على معظم الملفات التي تهمّ البلد واللبنانيين جميعاً مع الإشارة الى ان عون بعبدا والبركة منها مطلوب أيضاً بإلحاح لإنجاح المسيرة في البلد وانطلاقها نحو الأفضل.