ما بعدها ليس كما قبلها
زاويتي لهذا الأسبوع، كانت مخصصة للبحث في مآلات الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتطوراتها المتسارعة وانعكاساتها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وإمكانات بزوغ فجر نظام عالمي جديد، وخصوصاً بعد بروز إصرار أميركي غربي، في إطالة أمد الحرب ضد روسيا، ولو أدى ذلك إلى تدمير أوكرانيا بالكامل، وجعل الملايين من شعبها في عداد المشردين في الدول المجاورة وبصفة لاجئ.
بيد أن الحدث الأهم والأبرز الذي تصدر المشهد السياسي في الإقليم والمنطقة، هو زيارة الرئيس بشار الأسد المفاجأة إلى طهران، ورمزية حفاوة الاستقبال، الذي خصه المرشد الأعلى علي الخامنئي، للرئيس الأسد، وبحضور الرئيس الإيراني ووزيري خارجية البلدين إضافة إلى حضور القائد الأعلى للحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني.
مما لا شك فيه أن زيارة الرئيس الأسد إلى طهران بهذا الوقت تحديداً، تشكل حدثاً استثنائياً في غاية الأهمية، وخصوصاً بعد تصاعد نسبة عمليات المقاومين في الداخل الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، وبالتزامن مع ارتفاع وتيرة تهديد قادة محور المقاومة كوحدة متناسقة، في كل من فلسطين ولبنان واليمن، إضافة إلى تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومؤشراتها الدالة على الانتقال إلى مرحلة وضع النقاط على حروف نظام عالمي جديد.
تكتسي زيارة الرئيس الأسد إلى طهران، أهمية لافتة وعلامة فارقة بالمقارنة مع زيارات الرئيس الأسد السابقة إلى إيران.
في الماضي تمت الزيارة، في ظل ظروف سورية داخلية بالغة الصعوبة أمنية واقتصادية، بالإضافة إلى حربها الضروس ضد إرهاب شرس، فتك ببعض المناطق السورية قبل نجاح الجيش العربي السوري في تحرير واستعادة السيطرة على 90 بالمئة الأراضي السورية.
أما زيارة الرئيس الأسد اليوم إلى طهران، فتأتي مترافقة مع حدوث تبدل ملموس في المشهد الإقليمي والدولي، الذي بات ينظر إلى سورية، كدولة منتصرة على الإرهاب، وعلى المشروع الأميركي الهادف إلى تفتيت وتشتيت وتشريد المجتمعات المقاومة في المنطقة.
ومع صمود وانتصار سورية، اختلفت نظرة الدول العربية والغربية إليها، مسلّمة بهزيمة المشروع الأميركي الصهيوني في سورية، وباتت على قناعة تامة بأنه لا بد من الاعتراف بواقع انتصار سورية، وتمكنها من تجاوز الظروف الحالكة، وبضرورة التعامل معها بواقعية تجُبّ ما قبلها، والبحث عن السبل الآيلة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع سورية الأسد، نظراً لأهمية موقعها الجيوسياسي في المنطقة.
تأتي زيارة الرئيس الأسد لإيران بعد فترة زمنية لزيارة مماثلة لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي اعتبرت في حينها تحولاً إستراتيجياً في العلاقات العربية مع سورية، والحديث عن قرب استعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، ترافق ذلك مع حملة مغرضة لتشويه نتائج زيارة الرئيس الأسد للإمارات، تارة بالحديث عن وساطة إماراتية لإجراء مفاوضات سورية مع العدو الصهيوني بشأن هضبة الجولان السوري المحتل، وتارة أخرى بطلب الإمارات من سورية التخلي عن الحلف الإستراتيجي مع إيران، مقابل التكفّل بإعادة إعمار سورية وتسهيلات لعودتها إلى الجامعة العربية.
الرئيس الأسد ومن طهران تحديداً قال:
إن ترميم ما دمرته الحرب على سورية أمر سهل وفي متناول اليد السورية، لكن إذا ما دُمّرت الأسس والمبادئ، فمن الصعب جداً إعادة ترميمها، كلام الرئيس الأسد حمل دلالات بالغة الأهمية، لكونه أكد عمق ومتانة العلاقة الثنائية بين سورية وإيران، كما أنه دحض وبشكل لا لبس فيه، كل ما قيل عن وجود خلاف بين سورية وإيران، كما أنه كلام شكل صدمة لكل من حاول دق إسفين بين البلدين الحليفين.
المعلومات الواردة تشير إلى أن اجتماعاً مغلقاً ومطولاً، قد جرى بين الرئيس الأسد مع الخامنئي، وبحضور الجنرال قاآني، تناول تطورات المنطقة السياسية والعسكرية لوضع إستراتيجية مواجهة جديدة، في ظل تعاظم قوى محور المقاومة، المصحوب مع الثقة العالية بالاستعداد لأي مواجهة مع العدو الصهيوني، إضافة إلى تطورات الحرب الروسية في أوكرانيا، وإلى مناقشة تصورات المرحلة القادمة داخلياً وإقليمياً.
الاجتماع المطول الثاني جرى بين الرئيسين السوري والإيراني، بحضور الوفد المرافق ما يشير إلى تنسيق وثيق على المستويات الاقتصادية والسياسية كافة وترجمة انتقال العلاقة السورية الإيرانية، من الثنائية إلى علاقة أضحت بحكم الواقع إستراتيجية لا بل مصيرية بين البلدين، ما يعني المزيد من استكمال وتدعيم مشوار انتصار سورية، واعتبارها المركز الريادي الذي تمكن من جعل الصمود الأسطوري هزيمة نكراء للمشروع الأميركي الغربي في المنطقة.
الرئيس الأسد ومن طهران، اعتبر أن نهج إيران في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، لا يصب في مصلحة إيران وسورية فحسب، إنما يصب في مصلحة المنطقة وتحريرها من السطوة الأميركية، وبالتالي الإسهام في هزيمة مشاريعها الهدامة.
بدوره الخامنئي صرح قائلاً:
إن الرئيس الأسد بات مرفوع الرأس أمام شعوب العالم أكثر من أي وقت مضى، مضيفاً: إن الروحية العالية والرؤية الإستراتيجية الثاقبة للرئيس بشار الأسد، شكلت العنصر الأساس في انتصار سورية، وبحسب بيان صادر عن المرشد الأعلى ختم بالقول: إن سورية الآن لم تعد كما كانت من قبل، فمكانة سورية أضحت في عداد الدول المؤثرة والمحترمة، كقوة إقليمية فاعلة لها مكانتها الخاصة، ما يؤهلها للعب دور ريادي ومقرر في مستقبل المنطقة.
إن الدعم الإيراني لقوى المقاومة لا يمكن صرفه في إطار دعم الفصائل المقاومة المسلحة فقط، بيد أن الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري وتحمل إيران لكل الأعباء المترتبة على ذلك الدعم، خدم المنطقة وشعوبها التي تريد التحرر من هيمنة الاستعمار الغربي الأميركي المستمر، والذي أدى إلى بقاء شعوبها في مستوى متدن من التطور والمعرفة والتقدم.
لا بد من الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الأسد، تأتي في ظل جولات من مفاوضات إيرانية سعودية لم يتم تلمس نتائجها الإيجابية حتى اللحظة، وأيضاً تأتي الزيارة بالتزامن مع تعثر إحراز أي تقدم في ملف إيران النووي والمفاوضات الجارية في فيينا، ما يعني الاستعداد لدخول المنطقة في منعطف جديد لا يمكن التكهن بانعكاساته المستقبلية، ليس على إيران فحسب، إنما على المنطقة برمتها وعلى الدول الحليفة لها وسورية في مقدمة تلك الدول.
إن توقيت زيارة الأسد إلى طهران، أسهم في وضع أسس المواجهة القادمة، وبافتتاح مرحلة جديدة بين البلدين، بالانتقال من العلاقات الثنائية الطبيعية إلى العلاقات الإستراتيجية الطويلة، عمادها التصميم على استمرار التعاون الوثيق وعلى المستويات كافة.
بعد الزيارة ليس كما قبلها، لأنها أتت في زمن تراكم عناصر القوة لمحور المقاومة، ولأنها زيارة ستحمل معها العديد من المفاجآت في أي مواجهة قادمة، والمتوقع تظهيرها وترجمتها قريباً، ليس على صعيد العلاقات بين البلدين، إنما على صعيد إعادة التوازن إلى المنطقة، باستعادة سورية لدورها الطليعي، كلاعب إقليمي مهم لرسم معالم المرحلة الإستراتيجية ومؤهل لترجمة هذا الدور.