ما أبعاد رد “الحزب” المحسوب؟
كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
كما أن تأخُر حزب الله في الرد على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر خضع الى كثير من التأويل، فإن الرد أصبح أيضا بعد حصوله عرضة لتفسيرات متباينة، بدا بعضها انعكاسا لأحكام مسبقة، صادرة اصلا قبل عملية “يوم الأربعين.”
مع إنجاز حزب الله رده المحسوب على اغتيال الشهيد فؤاد شكر وقرار الكيان الاسرائيلي بابتلاعه وهضمه بعدما كذب كذبة توجيه الضربة الاستباقية وصدّقها، يُفترض ان تعود جبهة الجنوب الى الانتظام ضمن قواعد الاشتباك التي سبقت الاعتداء على الضاحية الجنوبية واغتيال شكر.
وبهذا المعنى، فان شبح الحرب الشاملة الذي حام حول لبنان في الأيام الأخيرة ابتعد حتى إشعار آخر، خلافا لاستنتاجات وتقديرات بعض المهوّلين الذين بدوا متحمسين لتلك الحرب او مستعجلين عليها أكثر من الاسرائيلي نفسه.
وهناك من يعتبر ان طبيعة الرد المستندة الى معايير دقيقة أظهرت ان حزب الله تحكم بعواطفه وانفعالاته التي تأججت بعد استشهاد قائده العسكري وبالتالي لم يذهب إلى ثأر أعمى ومتهور تحت وطأة الغضب والتوق للانتقام، بل هو نسج خيوط ضربته بعناية فائقة مازجا بين القوة والعقلانية، فكانت “القوة العاقلة” التي اوصلت الرسالة المطلوبة الى ضواحي تل أبيب من دون أن تقلب الطاولة رأسا على عقب.
من هنا، يبدو واضحا ان الحزب لا يزال مقتنعا بان حرب الاستنزاف هي ملعبه المفضل في هذه المرحلة لإنهاك الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق التفوق عليه بالنقاط، ما دامت مقومات الضربة القاضية غير متوافرة بعد في ظل الحصانة الغربية للكيان والدعم العسكري والاستخباري الذي يحظى به من الولايات المتحدة وحلفائه الاوروبيين، وهو ما انعكس بحشد البوارج والاساطيل الاميركية والمنظومات الدفاعية في المنطقة لحماية “إسرائيل” من ردود اطراف محور المقاومة.
ولان الحزب يحاذر استدراجه إلى المواجهة الكبرى في توقيت غير ملائم، وإن كان مستعدا لها إذا فرضت عليه، فهو يسعى منذ 8 تشرين الاول الماضي الى ان يدير حرب الاستنزاف بأفضل طريقة ممكنة، ويحاول تحسين شروطها قدر المستطاع مع تطور مراحلها، مدركا انها تشكل نقطة الضعف الأهم لدى العدو في معركة الإرادات واختبار التحمل. والأهم، ان الحزب يأخذ في الحسبان ضرورة ان يستطيع العمق اللبناني التعايش مع حرب الاستنزاف تلك، بأقل الخسائر والتداعيات الممكنة، لان صمود الجبهة الداخلية وقدرتها على التكيف هما جزء من النَفَس الطويل الذي تتطلبه مواجهة من هذا النوع، الأمر الذي يفسر دعوة السيد حسن نصرالله اللبنانيين الى ان يريحوا اعصابهم وطلبه ممن غادر منزله ان يعود اليه، مؤكدا ان بمقدور البلد ان يرتاح ويتنفس، بعد فترة التوتر والترقب التي سبقت الرد.
ويلفت قريبون من الحزب الى ان تجربة الرد على اغتيال الشهيد شكر اثبتت ان قيادته تتحلى بحس عال من المسؤولية والحكمة، “خلافا لاتهام خصومها لها بانها متهورة وتجر البلد الى الهاوية والمجهول.” ويشير هؤلاء الى ان “حرص الحزب على عدم ضرب اهداف مدنية او بنى تحتية في الكيان الاسرائيلي، انما يدل على أن حماية المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية في البلد هي جزء حيوي من استراتيجية المقاومة ومعادلاتها.”
ويستغرب أصحاب هذا الرأي “كيف أن خصوم المقاومة انتقدوا ردها الموضعي والمدروس واعتبروه ضعيفا وباهتا، بينما هم أنفسهم يحذرون في ادبياتهم السياسية من مخاطر الحرب الشاملة ويدعون الى عدم منح اسرائيل الذرائع لشنها ويتهمون الحزب بانه يغامر بأمن لبنان وسلامته من أجل إسناد غزة وحماس، ويطالبونه بتغليب المصلحة الوطنية على ما عداها، فلما راعى هذه المصلحة عبر عملية “يوم الاربعين”، وتفادى إعطاء العدو اي ذريعة لشن عدوان واسع، هاجموه وسخّفوا رده!”
ويلاحظ القريبون من الحزب ان نمط تصرف خصومه إزاء الرد الاخير يشبه سلوكهم في الايام الأولى من المواجهة، “إذ أكثروا حينها من المزايدات وأخذوا على الحزب انه لم يشن الحرب الشاملة على الكيان الاسرائيلي لدعم غزة واكتفى فقط بجبهة إسناد ومشاغلة، قبل أن يصبح لاحقا مبدأ المؤازرة العسكرية مرفوضا برمته من قبلهم، على قاعدة انه يزج لبنان في ما ليست له علاقة به ويورطه في حرب واسعة لا يستطيع أن يتحمل عواقبها.