الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

ماذا وراء مَيدان خذل نتنياهو؟

ماذا وراء مَيدان خذل نتنياهو؟

كتب عبد الغني طليس في “اللواء”:

بدأ الكلام على أن نتنياهو ليس مرتاحاً إلى النتيجة التي آلَت إليها حربُه في لبنان، لا على مستوى شعبه اليهودي الذي لم يقتنع بأن رئيس وزرائه أبعَدَ خطرَ حزب لله الماثل ولو بين الجبال والوديان الجنوبية، ولا على مستوى الحركة السياسية اللبنانية الداخلية التي كان يتوقّع أن تلاقيه في مكان ما تحضيراً لمعركة وجود «الحزب» سياسياً، فضلاً عن أزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية التي قد يعتبرها عادت إلى مربّعها الأول بناء على تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن المرشّح سليمان فرنجية هو «عِماد» الأسماء اليوم، في إشارة واضحة وخفية إلى خروج إسم العماد جوزف عون بعد التمديد له كقائد للجيش، وهذا قد يفضي بنتنياهو إلى «دفع» الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للعب دور مؤثّر في هذا المجال.. وأيضاً يمكنه التلويح مجدداً بالحرب كما يفعل حالياً للتحريض. لكنّ موضوع الحرب، مرهون إسرائيلياً بما يجري بينه وبين سكان شمالي فلسطين المحتلة، ومن كلامه معهم نستطيع استشراف ما ينوي.

يبدو أن على اللبنانيين الانتظار والترقّب والحذر، ويتعيّنُ عليهم، دولةً وشعباً ومؤسسات، الالتفات بجديّة إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد بتوقيع بنيامين نتنياهو الذي ذكّر فيه عند بداية ردّه على «طوفان غزة»، وأعاد التذكير به عند بداية حربه الخَرابيّة على لبنان، وكرّر التذكير عند إعلان موافقته على إتفاق وقف النار. وهذا المشروع كان يمكنه الشروع بتطبيقه على الأرض، لا في التنظير فقط، لو أن جيشه اليهوديَّ المتوحشَ بالمُطلَق احتل جنوب لبنان!

ما نراهُ اليوم من منع سكان القرى والبلدات الجنوبية التي وصل جيش نتنياهو إلى أطرافها، وتهديم البيوت بالجرّافات والعبوات التدميرية، كنا سنراه في كل بلدة، أكرر كل بلدة، احتلّها جيش اليهود من الحدود إلى الليطاني.

شهوةُ الأرض المحروقة والبلدات المُسجّاة أرضاً بالألغام، والقصف الأعشى، المُمَارَسة جميعُها الآن بصلَف وغرور، وعلى أوسع نطاق استطاع الوصول إليه جيش نتنياهو، كانت ستصبح بوّابة مشروع الشرق الأوسط الجديد:

سيضع نتنياهو رِجْلاً على رِجْل أمام شعبه والعالم ويقول ممنوع رجوع سكان الجنوب بكامله، إلى أراضيهم لأن أرض يهودا والسامرة تمتدّ إليها، ولأن أمن سكان شمال إسرائيل في حاجة إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح مع لبنان ليكون السكان في مأمن دائماً ولا تطالهم «اعتداءات حزب لله»، وسيحاول البدء العملي لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد انطلاقاً من التهجير البشري (لو حصل) وسيصبح واقعاً مفروضاً. وكما منعَ الجيش الإسرائيلي عودة أهالي البلدات والمدن الذي له وجود فيها بالحديد والنار، كان سيفعل الفعل نفسه في كل الجنوب ويضع شروطه من نزع سلاح حزب لله في كل لبنان قبل أي وقف لإطلاق النار، إلى «ترتيب» رئيس للجمهورية اللبنانية يناسب تطلّعاته.. إلخ، أما هجرة الجنوبيين فسيسعى إلى أن تكون أطول تمهيداً لتكون نهائية. وليست بعيدةً المخططاتُ التي كان يُهمَس بها لتهجير شيعة الجنوب إلى العراق كواحد من الأحلام الصهيو – يهودية، لتصبح الأرض الجنوبية عبارة عن مستوطنات ومناطق عازلة تُنَفَّذ تحت طائلة القتل من كل فجّ عميق، وسيجعل نتنياهو ثمن المقاوَمة ضدّ إسرائيل أكبر وأعظم وشاملاً الإقليم كلّه، وثمن سَلام سكان الجليل وأغلب مدن الشمال الفلسطيني المُحتلّ دائم الاختلال. وطبْع نتنياهو التوراتي وكراهيته لكل عربي ومسلم ومسيحي في الشرق العربي «يسمحان» له بهذا التفكير الذي يريد تغيير الخرائط جغرافياً وسياسياً وديموغرافياً!

وغوايةُ الشرق الأوسط الجديد واصلَ نتنياهو العمل بها فور وقف النار في لبنان، بإشعال شمال سوريا الزاخر بمجموعات مسلّحة تبيّن أن إمرتها المباشرة له هو دون غيره. فهذا «الشرق» الجديد الذي مرّ بحرب تموز ٢٠٠٦ (كوندوليزا رايس) وسقط، ثم مرّ على أرض سوريا في «الربيع» العربي وسقط أيضاً، ومرّ مجدّداً على لبنان ٢٠٢٤ وسقط، وجَد نتنياهو له منفذاً مُستعاداً هو سوريا.

تبقى إشارة إلى مصطلح «المناورة العسكرية» الذي تطلقه إسرائيل على عملياتها الحربية في لبنان، وعلى ميدان الحدود تحديداً والذي يتبنّاه بعض اللبنانيين من دون فهم معناه.

فـ «المناوَرة» لغةً هي المراوَغَة والمُحاوَرة والدّهْدَهَة في لعبة كرة القدم، أما في الجيوش فهي تمارين عسكرية تجريها القوات المسلحة كنشاط «تدريبي» لاختبار الجهوزية العسكرية أو تكتيكات أو استراتيجيات عسكرية معنية كأن تتمّ إنشاءاتٌ (بنايات، بيوت، الخ..) معيّنة من الكرتون والفلّين ويُجري العسكر «معارك» يعرف مسبقاً أن البيوت فارغة فيها، والرصاص الذي يُستخدم خُلّبيّ، والواقع النفسي للجنود يكون لامبالياً لعدم وجود من يقاتلونه.

لذلك ينبغي ألّا ينساق بعضنا خلف هذه التصنيفات لأن ما جرى كان حرباً متكاملة الأوصاف قصفاً وقتلاً ومحاولات يائسة للتقدم الميداني. فهل تعريف المناورة الذي أشرنا إليه، هو ما فعلته إسرائيل وهُزمَت في تحقيقه، أم هذه خططُ حربٍ فالتةٍ من عِقالها البشري والقوانين والأخلاق ولا يقوم بها في عالَم اليوم إلّا بنو إسرائيل؟

زر الذهاب إلى الأعلى