ماذا في رأس يحيى السنوار ؟
كتب نبيه برجي في “الديار”:
بديهي القول حين تتمكن المقاومة في لبنان من الوصول الى الرأس الالكتروني “لاسرائيل”، أي الوحدة 8200، تصل الى الرأس السياسي، أي بنيامين نتنياهو. لكنها لا تريد تحويله الى “بطل” في نظر “الاسرائيليين”، ما دام يحترق شيئاً فشيئاً الى أن ينطفئ. هل حقاً أنه سيحترق ؟
لم تسجل له أي موقف تراجعي (وان كان الهروب الى الأمام) ، ما زال يتصرف وكأنه كاليغولا على رأس الأمبراطورية. ولكن يضع “اسرائيل” أمام اختبار وجودي قاتل بتلك الحرب التي تكاد تلامس العام، وفوق قطعة من الأرض محاصرة من كل الجهات، دون أن يتمكن بالقوة العسكرية الهائلة من احتواء المقاومة فيها، وحيث المواجهة بالوسائل البدائية ؟
صراع مع المؤسسة العسكرية، وصراع مع المؤسسات الأمنية، وحتى صراع مع الادارة الأميركية دون أن يتزحزح، لتبدو الورقة اللبنانية كاحتياطي استراتيجي لاستخدامها اذا اقترب الحبل من عنقه. ولكن ألم يحذره ايهود باراك الذي كان وراء الخروج من لبنان عام 2000، من ارتكاب الحماقة التي ارتكبها أستاذه مناحيم بيغن عام 1982، لينتهي وقد التف ببطانية الصوف؟
حتى الساعة، الأكثرية ـ الأكثرية العمياء ـ الى جانبه. لا تعنيه مواقف جو بايدن، وقد أمده بالمساعدات العسكرية وما زال يمده طوال أيام الحرب، ما دام يلفظ أنفاسه الأخيرة في البيت الأبيض ، انه الأقوى أميركياً. القس جون هاغي ، زعيم منظمة “مسيحيون من أجل اسرائيل” التي بلغ عدد أعضائها عام 2022 عشرة ملايين، بارك خطاه من كنيسة كورنرستون في تكساس.
عدد هائل، ويفوق عدد اليهود في كل من أميركا و”اسرائيل”، اذا أغفلنا عشرات ملايين “المسيحيين الصهيونيين”، الذين يشاركون القس هاغي في الاستناد الى مقطع في سفر حزقيال جاء فيه “ها أنا أحشد أبناء “اسرائيل” من بين الأمم التي تفرقوا فيها، ويقيمون على الأرض التي وهبتها لعبدي يعقوب فيسكنون فيها، هم وابناؤهم وأحفادهم الى الأبد”.
تفسير هاغي للنص التوراتي أن الرب أعطى الأرض لأبناء اسحق، وأعطى المال (النفط) لأبناء اسماعيل، لكأن المال، وكما قال كارل ماركس، ليس الاله الذي يقود “اليهود”، وقد جمعوا بين قوة المال وقوة الايديولوجيا ـ دون أي اشارة الى التاريخ ـ ليتحكموا بالكثير من مفاصل القوة على امتداد الكرة الأرضية، ريثما يظهر “الماشيح” الذي يقضي على الأشرار في العالم، كون “اسرائيل معجزة الهية”. حتماً ليست من صنع وودرو ويلسون وآرثر بلفور، ولا من صنع تيودور هرتزل وحاييم وايزمان.
أركان الائتلاف الحالي، وبتلك السياسات الهمجية، ينتمون الى المدرسة اياها، لكنهم يخالفون رأي هاغي القائل بأن “اليهود” سينضوون في المسيحية لدى ظهور “الماشيح”، وبعد قال الناصري “أنا الهيكل”، لاعتبارهم أن المسيحية شأنها شأن الاسلام، وجدت بأيد بشرية كهرطقة فلسفية اما لتشويه اليهودية أو لتحطيمها.
اي أكثرية تقف الى جانب نتنياهو ؟ غالبية النخب الأكاديمية والثقافية، تميل الى الوسط أو الى اليسار بمفاهيم، وبرؤى مختلفة كلياً أن تجاه الداخل أو تجاه الخارج، ليتحدث آفي شلايم عن “أولئك الرعاع الذين يرون في رئيس الحكومة القائد الالهي الذي بعث في هذه الحقبة لحمايتهم من البرابرة”، ويسأل “الى أين يذهب باليهود بذلك المستوى من الغباء الايديولوجي”؟
ونحن داخل هذه الاحتمالات العاصفة، يفترض بنا أن نسأل “ماذا في رأس يحيى السنوار، كقائد فذ للمقاومة، حول اليوم التالي. حركة حماس وجه من وجوه “الاخوان المسلمين”، بذلك الماضي الملتبس، وبالشعار الذي رفعه حسن البنا منذ نحو قرن (1928 ) “الاسلام هو الحل”. أي اسلام ذاك، وقد حوله التواطؤ بين الفقهاء والساسة، الى مشكلة أقفلت أبواب الأزمنة أمام المسلمين، لتفتح أمامهم أبواب الكهوف وأبواب الأقبية. أكثر من ذلك… أبواب القبور!
مثلما لا فكرة عن اليوم التالي في رأس يحيى السنوار، لا فكرة عن اليوم التالي في رأس محمود عباس (مع الفارق الهائل بين الرجلين )، الذي كأنه الكرة الزجاجية على أبواب القصور. فهل يريد أن يحكم القطاع مثلما حكم الضفة، وقد اندلعت فيها النيران التي لا بد أن تقضي على من يرقدون بسلام تحت أنقاض أوسلو؟
” الاسرائيليون” داخل الدوامة السياسية كذلك الفلسطينيون. في هذه الحال، لا بد أن نأخذ بنظرية الديبلوماسي الأميركي ريتشارد هالبروك (بدوره أثناء الحرب في البلقان) “من النيران تولد أفضل أو أسوأ الحلول” !!