ماذا عن طرح بوحبيب مفاوضات مع إسرائيل؟ “لبنان موحَّد”… بضمان “حزب الله”

رضوان عقيل -” النهار”

لم يأتِ طرح وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب بمطالبة لبنان وموافقته على مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل من بنات أفكاره الديبلوماسية فقط، بل هو على تنسيق مفتوح في هذا الموضوع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فضلاً عن الدعم الذي يتلقاه في هذا الخصوص من رئيس مجلس النواب نبيه بري مع عدم معارضة “#حزب الله” هذه العملية ولو انه لن يبارح الميدان العسكري في الجنوب قبل إقدام الاسرائيليين على وقف نهائي لاطلاق النار في قطاع غزة لينسحب هذا الامر على البلدات الحدودية الجنوبية. ولم يتأخر بوحبيب منذ اليوم الاول للعدوان الاسرائيلي على غزة عن تشديد لبنان على التمسك بالقرار 1701 وضرورة وقف الآلة الحربية والاستعداد لتثبيت الحدود البرية مع اسرائيل. وهذا ما عكسه مع اكثر من وزير خارجية غربي والامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس وفي كل الاجتماعات التي عقدها في مجلس الامن في نيويورك. وسبق لبوحبيب ان كرار الكلام نفسه في لقاءاته في بروكسيل وعلى مسمع الممثل الاعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل. وترجع مواقف بو حبيب هنا الى اظهار مسألة ان لبنان يتعاطى مع مسألة التهديدات الاسرائيلية القديمة – الجديدة على اساس خلية سياسية مشتركة تقدم رؤية واحدة حيال ملفات حساسة من هذا النوع، لان ظهور اي تباين في المواقف الديبلوماسية لا يصب في مصلحة لبنان رغم انقسامات مكوناته السياسية والحزبية والطائفية حول ما يحصل في الجنوب من حيث الموافقة على ما يقوم به “حزب الله” او الاعتراض على اسلوبه وخياره العسكري ومساندته للفلسطينيين في غزة.
وترى مصادر ديبلوماسية تؤيد مقاربة بوحبيب انه من غير المنطقي ظهور لبنان في مجلس الامن والمحافل الدولية في موقع الانقسام وعدم توحيد رؤيته، وان سياسة التناغم التي ينسجها مع الرئيسين ميقاتي وبري “أمر اكثر من مطلوب وايجابي في ظل كل هذه التحديات” حيث يمارس الواقعية الديبلوماسية عند قوله ان لبنان على استعداد لتطبيق الـ 1701 ومطالبته بوقف خروق اسرائيل وتثبيت نقاط الحدود البرية المتنازع عليها وانسحابها من نقطة الـ B1 في رأس الناقورة وصولا الى مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وان الضمانات الدولية المعلنة تخدم لبنان اذا جاءت في سلة واحدة. ويبقى من الاسلم اتخاذ مثل هذا الموقف اللبناني الموحد، مع ملاحظة ان بوريل وكبير المستشارين في البيت الابيض آموس هوكشتاين الى الموفدين الغربيين الآخرين قد استمعوا الى “كلمة واحدة” في بيروت من المسؤولين اللبنانيين في مشهد لم يلمسوه سابقا في لحظة تكشف اسرائيل عن حلقات جنونها على اكثر من مستوى بعد ما تعرضت له من انتكاسات في السابع من تشرين الاول الفائت.
ولذلك تعزز المواقف التي ينطق بها بوحبيب كلمة لبنان الذي تفرض عليه الواقعية السياسية الداخلية ان يتحدث هنا بـ”لسان ديبلوماسي واحد”. وهذا ما يفعله في مشهدية لا تتعارض مع اقتناعاته بحسب مصادر ديبلوماسية متابعة تعرف حقيقة مقاربة الدوائر المعنية في عواصم الاتحاد الاوروبي ومجلس الامن المشغولة كلها اليوم بانقاذ بنيامين نتنياهو من ازماته ومواكبتها “نجدة اسرائيل” من مأزقها الامني واخراجها من رمال غزة ومحاوله عدم دخولها في حرب كبرى في جنوب لبنان اذا توافرت الظروف التي تناسب نتنياهو الذي لا يبدو انه يمانع في جرّ المقاومة الى مواجهة مفتوحة، لانه يدرك ان انتهاء الحرب في غزة بغضّ النظر عن فصلها النهائي يجعله خاسرا جراء حفاظ “حزب الله” على ترسانة صواريخه وقوته العسكرية.
ومن عناصر قوة الموقف اللبناني ما يعكسه “حزب الله”، اللاعب اللبناني الاول في الجنوب، من خلال قوله انه يقف خلف القرار الرسمي للدولة في عدم معارضته لمفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل على غرار تجربة ترسيم الحدود البحرية، وان هذا الملف هو حصراً بيد الدولة، الامر الذي يضيف عناصر ايجابية الى مناعة الديبلوماسية اللبنانية التي تستند الى عدم اعتراض “حزب الله” على مفاوضات غير مباشرة، لانه في حال نجاحها سيخرج الحزب ومن يلتقي معه للقول ان صلابة القرار العسكري وما قدمته المقاومة من تضحيات ساهم في تعزيز قدرات لبنان على اي طاولة مفاوضات للبحث في مستقبل مسار ما ستنتهي اليه الامور على الحدود بين لبنان واسرائيل، ولو ان لغة الحرب لا تزال هي المسيطرة على المشهد حتى الآن، لان ثمة اكثر من اشارة ورسالة من الحكومة الاسرائيلية تفيد بانها لا تزال تغلّب لغة الحرب على الديبلوماسية.

Exit mobile version