كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
يقترب موعد انتهاء عرض المسرحية الاميركية “الملهاة”، لوقف النار المفترض في غزة خلال ايام قليلة. كانت باهتة ومملة، ولم تخلو من الوقاحة والكذب ومحاولة الخداع، ولهذا لم يصفق لها اي جمهور. فهي تكرار لعروض سابقة من فن اميركي هابط ، لكنه يكشف حجم تورط واشنطن في حرب الابادة بحق الفلسطينيين. لهذا لا شيء يدعو للتفاؤل في احتمال حصول معجزة تجبر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو على تعديل اجندته اليمينية المتطرفة، لدفن القضية الفلسطينية بشيبها وشبابها واطفالها ونسائها تحت ركام غزة.
لكن ماذا عن “اليوم التالي”؟ وهل اصبحنا حكما امام خيار الحرب الشاملة في المنطقة؟ واذا كان خيار حركة حماس والمقاومة الفلسطينية العودة الى العمليات الاستشهادية في قلب مدن كيان الاحتلال، فماذا عن جبهة الجنوب والمواجهة مع حزب الله؟ وماذا لو رد الحزب وطهران عقب اعلان الفشل في وقف الحرب على القطاع؟
كل هذه الاسئلة لا جواب حاسم عليها لدى احد، لان الغموض جزء من ادوات الحرب الدائرة راهنا، والمفتوحة على كافة الاحتمالات، بحسب مصادر مقربة من حزب الله، التي لا تزال على يقينها بان الرد حتمي على الاغتيال في طهران والضاحية الجنوبية، لان هذا الامر لا نقاش فيه، وانما تبقى التكهنات متى؟ وكيف؟ واين؟ واذا كانت الكيفية والهدف، قد حددا بعد ساعات قليلة من عملية اغتيال الشهيد فؤاد شكر، الا ان التوقيت يبقى رهن امورعدة بعضها لوجستي عند العدو وليس لدى المقاومة، وبعضها الآخر مرتبط بالهدف الرئيسي لهذه المعركة وهو وقف النار في غزة.
ولهذا اذا ثبت “بالوجه الشرعي” ان الفرصة التي طالب بها العالم من “اقصاه الى اقصاه”، لمفاوضات الدوحة والقاهرة قد اجهضت، فأنه يمكن الجزم بان ساعة “الرمل” قد قلبت راساً على عقب، وهذا يعني بدء العد العكسي للتنفيذ.
هذه المعادلة ليست سرا، وتدركها جيدا القيادات العسكرية والسياسية في كيان الاحتلال، ولهذا نشهد تصعيدا نوعيا في الغارات الجوية على البقاع، والقصف المدفعي على قرى الجنوب، وتجدد الاغتيالات في صيدا. وهنا، تشير تلك المصادر، الى ان العدو الاسرائيلي يحاول تحقيق واحد من امرين، وكلاهما يشكلان حاجة ماسة له في هذه اللحظات الحساسة والدقيقة، فهو من جهة يرفع نسق المواجهة في محاولة لردع حزب الله، ومنعه من رد قاس وموجع من خلال اظهار قدرته النارية الجوية، واستعداده لتوسيع نطاق العمليات العسكرية، حتى لو ادى ذلك الى مواجهة شاملة؟!.
ومن جهة أخرى، اذا لم يتحقق الردع، فهو يحاول استفزاز الحزب لاستعجال الرد، والانتهاء من الانتظار الطويل المثير للأعصاب، والمنهك لكافة المنظومات الدفاعية، حيث تكمن الخشية من ان تؤدي عملية “التبريد” الى ثغرة خطيرة ينفذ من خلالها حزب الله عملية قاسية، ولهذا تريد “اسرائيل” ان يحصل الرد وهي على جهوزية عالية. علما ان القناعة في كيان الاحتلال تفيد بانه إذا لم يتم التوصل إلى الصفقة في غزة وأطالت “إسرائيل” المفاوضات، فسيحدث هجوم مباشر، وهذه المرة ستكون الجولة أثقل من “اللكمات” بين “إسرائيل” وإيران كما في نيسان الماضي.
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى ان “اسرائيل” تخطىء مرة جديدة في حساباتها، لانها من جهة لن تردع المقاومة المستمرة بعمليات الاسناد، ولن تجبرها على الرد في التوقيت الذي يناسبها. واذا كانت ثمة “مصيدة اسرائيلية” فلن يقع حزب الله فيها. وهو يتعامل مع الاحداث، وفق اجندة مدروسة بعناية، يعرف ما يريده، وسيكون حيث يجب ان يكون وفقا لتوقيته المناسب لكافة الجبهات، وحين يدرك ان الوقت قد حان لتسديد ضربته الموجعة، سيقوم بها دون اي تردد. وهو امر قد يحصل في اي وقت، تزامنا مع توسيع نطاق الردود اليومية على الاعتداءات “الاسرائيلية”، التي سيكون العقاب عليها متناسبا ايضا، بما يحفظ قواعد ردع جبهة الاسناد.
وفي هذا السياق، اذا كانت كافة الاطراف لا تعرف كيف يمكن ان تتدحرج الاحداث، الا ان حزب الله يدرك بان حرب المساندة قد تطول، لان ثمة تغييرا جذريا قد حصل بعد السابع من تشرين الاول 2023 لدى المستوطنين الصهاينة، فهم لا يبالون بمماطلة نتنياهو ويتعاملون بلا مبالاة مع احتمال موت الاسرى في غزة. وبعد 11 شهر من الحرب ، تطبعوا مع استمرار المواجهة في الشمال، وفترة الإخلاء الطويلة لسكان غلاف غزة والمنطقة الشمالية، ولا تعنيهم انهيار الشرعية الدولية حول الحرب في غزة، وكذلك الأضرار الاقتصادية الآخذة في التصاعد، ولهذا فهو معني بالزام “اسرائيل” بقواعد الاشتباك.
وفي الخلاصة، اذا اعلن عن “موت” المفاوضات حول غزة، تبقى المراوحة ديبلوماسيا سيدة الموقف، بانتظار عودة الانتظام الدولي والاقليمي بعد الانتخابات الاميركية، وسيكون لهوية ساكن البيت الابيض تأثير كبير على مجريات الاحداث. عسكريا، فان بقاء المواجهة الحالية دون الحرب الكبيرة احتمال قائم، يصحبه ارتفاع في نسق القتال، الا اذا حصل تدحرج نحو الاسوأ نتيجة حسابات “اسرائيلية “خاطئة، لكن الحرب الشاملة ستؤدي حتما الى خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية في “اسرائيل”، ولا يقين بأن الوضع سيكون أفضل عند انتهائها، وهو ما يحاول الاميركيون افهامه لنتانياهو لكن دون جدوى، لانه يعتقد جازما ان الادارة الاميركية الحالية لن تترك “اسرائيل” وحيدة في الميدان، وهنا تكمن الخطورة.