كتب البير خوري:
هي قلوب مليانة في قلب العاصفة.
حكاية “ابريق الزيت” تتكرر يوميا على ألسنة الناس والمسؤولين، والبلاد الى مزيد من الاهتراء والاهتزاز.
ما يشهده لبنان في الظروف الراهنة الصعبة، مسرحية ساخرة نافرة،مؤلمة وظالمة لوطن يبحث عن السلام والاستقرار في حكومة من القش الفاسد، نظاما وقادة وحكاما.. النظام مركًب ومعقًد، والمسؤولون في غياب قسري او متعمًد، والشعب مغلوب على امره، وفي احيان كثيرة، مخادع اناني ومرتزق، اعتاد على الخنوع والانصياع.. تاجر متقلًب، متفلًت من القوانين والضمير، تماما على شاكلة حكامه، وعلى ما قيل “كما تكونون يولًى عليكم”. ما يؤكد هذا الترابط العضوي والمصلحي بين المافيات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في نهش الوطن ودستوره ومؤسساته.
ليس من أحد بريء في لبنان المفخًخ بكل انواع المتفجرات السياسية والأمنية والمالية والاقتصادية.. الكل يقترع على جثته. يزيد الطين بلة ان الخارج المتمدد عربيا واقليميا ودوليا شريك مباشر وفاعل، سيًد ومفسد في تأزيم الأوضاع اللبنانية، بدءا من واشنطن الآمر الناهي في الحل والربط وان ادًعى المسؤولون الأميركيون إسنادهم الملف اللبناني لباريس، وأنهم لن يتدخلوا في اسماء المرشحين لدخول قصر بعبدا، لكنهم في واقع الأمر لا يتركون فرصة الا ويؤكدون فيها رفضهم لمرشح مقرًب من حزب الله، ما ينزع عن الإرادة الوطنية أخد اهم حقوقها في خيارها واختيارها بعيدا عن الترهيب والترغيب.. يجاريها في الرفض الموقفين السعودي والمصري، في حين تبقى قطر وقد باتت خبيرة في الشأن اللبناني “جوكر” الأتصالات الداخلية والخارجية، وصولا الى صيغة معدًلة ومعتدلة، وفي الغالب “ملطًخة” بالمال الفائض والوعود الفضفاضة للأطراف المتنازعة على الكرسي اللبنانية الأولى.
ما يحدث في لبنان اليوم ليس غير ما حدث في ماضيه ومما سوف يحدث في مستقبله إن بقي النظام السياسي على حاله والقادة “ولاد يخكمون بلاد”!
اولا، ما يخص نظاما كشف عن عجزه مرة تلو الأخرى، في حلحلة ازمات متعاقبة ومستفحلة عهدا تلو آخر ،لم تتمكن المؤتمرات قديمها وجديدها، في التوصل الى تثبيت دستور متكامل وعادل يحمي البلاد من التقوقع الطائفي والمناطقي والحزبي، ولأن الكارتيلات السياسية المتحكمة بالسلطة والمال، لا بل زادتها المؤتمرات انقساما وتشرذما. صحيح نجح اتفاق الطائف في وقف الحرب الأهلية، لكنه جعل من الوطن كائنا خرافيا بثلاثة رؤوس تتصارع فيما بينها على الغنائم والمصالح.
ايضا وفي اعقاب مؤتمر الدوحة، جرى انتخاب رئيس للجمهورية اثر فراغ رئاسي امتد لنيف وسنتين، لكنه ابقى على الرؤوس الثلاثة على سلطتها وخلافاتها، ما جعل لبنان سريع العطب امام اقل هزة سياسية والدليل ان لقاء باريس الأخير ما زال يترقب موقف ايران .. ذلك ان اي سيناربو رئاسي لم يكتمل حتى الآن ولا تتوفر له شروط النجاح في ظل الاستعصاء الداخلي وارتداد كل القوى الى بيئاتها حيث اصبحت اسيرة شروطها لتي عطًلت كل الوساطات الداخلية والخارجية للتوافق على رئيس.
كذلك وفي ظل الأزمة المعيشية الخانقة والضاغطة امام تحليق الدولار وانهيار العملة الوطنية، ومثله شلل السلطة القضائية وانقسامها على ذاتها.. هذا الحاصل في مجمل مردوداته المخيفة في المصير الوطني راهنا، بما فيه الفراغ الرئاسي المفتوح ودمار الدولة التام وانهيار كل مقومات الصمود الشعبي والتفكك المتدحرج لقدرات البناء امام زعزعة الأيمان بلنان، ليس سوى الدليل الواقعي والطبيعي للإجهاز على الوطن والدولة والمجتمع والاقتصاد والعملة الوطنية…