الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

ليتَ نبيه بري ماروني

ليتَ نبيه بري ماروني

كتب نبيه البرجي في “الديار”:

هل تنتهي الجمهورية الخامسة في فرنسا (جمهورية شارل ديغول) بنهاية الولاية الثانية للرئيس ايمانويل ماكرون الذي، بانضوائه تحت المظلة الأميركية وعلى الطريقة البريطانية، أحدث تصدعات دراماتيكية داخل الرأي العام الفرنسي، النتيجة جمعية وطنية أقرب ما تكون الى الغرنيكا البرلمانية. فوضى سياسية واقتصادية تداخلت مع “حالة الخواء” التي أحدثها الانخراط في الحرب الأوكرانية، حتى أن اليسار يرى أن الحل في استقالة ماكرون، والا لا نهاية للمراوحة الراهنة…

الأزمة الحكومية عقب استقالة حكومة بارنييه، لم تحجب الاهتمام بلبنان، خصوصاً في ظل التطورات “الهائلة” في سوريا ،وحيث الخوف من الحقبة الأفغانية، أو من الحقبة العثمانية. شخصية ديبلوماسية من أصل لبناني، تعمل بين باريس وجنيف، نقلت الينا أجواء الكي دورسيه، حديث عن اعجاب المبعوث الرئاسي الأميركي بكاريزما وحنكة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والى حد التمني لو كان مارونياً.

السبب ليس فقط في صراع الديكة بين القادة الموارنة، حتى عند المفترقات المصيرية، وانما في رهانهم على التأجيج الطائفي، اما للبقاء على عروشهم أو للتطلع الى الأعلى، فيما المطلوب منهم، وهم ينتمون الى الطائفة التي صنعت لبنان، وكانت وراء تألقه الثقافي والحضاري، ألاّ يسقطوا في لعبة المستنقعات، حين يكون هناك لدى الطوائف الأخرى، من يصر على البقاء بين القبور، ودون قراءة ما قاله آرتولد توينبي عن حيرته اذا كان التاريخ يمتطي ظهر الشيطان أو اذا كان الشيطان يمتطي ظهر التاريخ.

لا مجال لاغفال الصراع العبثي بين السنّة والشيعة، ما يفترض بالمسيحيين أن يكونوا المنطقة العازلة أو المنطقة الآمنة، لا في الوقوف الى جانب هذه الطائفة أو تلك. الدور المسيحي الذي لا ينقصه الاحتياطي الثقافي والاحتياطي الايديولوجي والاحتياطي التاريخي، ليكون فاعلاً في رأب الصدع بين المسلمين، وان كانت الرياح الخارجية من القوة بحيث تؤدي وعلى نحو مبرمج، الى بعثرة القوى والطوائف بالطريقة القبلية، وحيث ذلك المشهد الأبدي… داحس والغبراء!

من هو كميل شمعون، ومن هو فؤاد شهاب، ومن هو الياس سركيس بين القادة الموارنة الآن لينقذ الطائفة، ولينقذ لبنان ؟ الواقع كما لو أن القرن يعاني من خلل في انتاج الرجال الذي يصنعون التاريخ، على الأقل يصنعون الحدث. هل ممكن أن نسأل من هو فرنكلين روزفلت في أميركا ؟ ومن هو شارل ديغول في فرنسا؟ ومن هو ونستون تشرشل في بريطانيا؟ ومن هو كونراد اديناور في ألمانيا؟

الفرنسيون يراهنون في هذه المرحلة على دور للرئيس بري، وهم من دعموا موقفه في تنفيذ المادة 65 كمدخل لخلاص لبنان من الغول الطائفي. مبادرة هامة تخلّي الثنائي الشيعي عن زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي ترى فيه أطراف مسيحية مرشح التحدي، أو مرشح بشار الأسد. المرحلة تقتضي وأكثر من أي وقت آخر قبعة الساحر، وحتى عصا الساحر التي كانت فاعلة ومؤثرة عند أكثر من مفترق، الآن المفترق الأكبر.

واضح أن البلاد بحاجة الى رؤية أخرى ولغة أخرى لتحط الجمهورية، في ظل التحولات التي تشهدها المنطقة، على أرض آمنة. ما يتناهى الينا من عين التينة، يشي بأن رئيس المجلس النيابي يريد للبنان أن يطفو فوق تلك الأمواج المتلاطمة. أمامه تفويض من السيد حسن نصرالله. هذا ما أدى الى وقف الثيران الهائجة ـ الثيران “الاسرائيلية” المجنحة، وحينما كانت الطوائف الأخرى وفي كل المناطق، تحتضن في تلك الأيام المروعة المهجرين الشيعة بتعاطف منقطع النظير.

التفويض الذي يسري أيضاً على الاستحقاق الرئاسي. مثلما الدور المسيحي يقتضي التخلي عن كل الظلال والترسبات، وكانت نتاج سياسات فارغة، الدور الشيعي الآن. اذاً، رئيس للجمهورية لا يكون على شاكلة حمالة الحطب في التأجيج الطائفي، وهي الحالة القاتلة داخل الحالة اللبنانية، ولا يكون ظلاً باهتاً كما في بعض الأسماء التي تدخل الى القصر من ثقب الباب، وتخرج منه من ثقب الباب. لبنان، وبالرغم من الصلاحيات الملتبسة، بحاجة الى رئيس يدرك ما هو لبنان، ومن هم اللبنانيون، ما دمنا في نقطة التقاطع بين الأعاصير الاقليمية والدولية وحتى المحلية…

الوقت مبكر جداً للحديث عن “استراتيجية التغيير” ، كطريق الى مستقبل يعيد تشكيل الوعي (السياسي والتاريخي)، ولكن ألا يعترينا الخوف حين نلاحظ ما يحدث حولنا، فيما نحن نشبه عيدان الثقاب، حتى في الأوقات الكبرى. تهليل هنا وهناك للنظام السوري الجديد. ولكن أي نظام حين نشهد كيف تطلى جدران القرون الوسطى بالأبيض؟

لبنان ما بعد الحرب غير ما قبله. الفرنسيون يأملون بذلك، وهم المنهمكون في أزمتهم السياسية. ليس لكون لبنان بوابتهم الى الشرق الأوسط، بل لكونه وتبعاً لوصف وزير الخارجية السابق ايرفيه دو شاريت، بوابة الحياة في الشرق الأوسط…

لو سألنا مستشاره علي حمدان لقال “الرئيس بري دائماً هو الشيعي والسني والمسيحي والدرزي. باختصار انه اللبناني كما يفترض أن يكون اللبناني، وكما يفترض أن يكون لبنان”. صاحب الفخامة بهذه المواصفات…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى