لنكن المجانين لا القتلى

لنكن المجانين لا القتلى

كتب نبيه البرجي في “الديار”:

ذروة المكيافيلية أم ذروة الهمجية في الأداء السياسي، وفي الأداء العسكري ؟ الهدف التكتيكي في غزة اعادة الرهائن . الهدف الاستراتيجي القضاء على “حماس” . الهدف التكتيكي في لبنان اعادة سكان الشمال . الهدف الاستراتيجي القضاء على “حزب الله” . في الحالتين المراقصة الدموية للمستحيل .

المثير هنا أن الاسرائيليين أوهموا جهات أميركية وأوروبية بأن دولاً عربية تدعمهم في سياساتهم بـ”قطع أذرع ايران” ، كمدحل لاجتثاث الوجود الايراني في المنطقة بالتقاطع الخطير بين الجيوسياسي والايديولوجي .

البعض يرى أننا لم ندخل ، بما يكفي ، الى شخصية نتنياهو ، بالمخالب التوراتية ، ولا الى الشخصية اليهودية (بعيداً عن الأدمغة التي انقلبت على ثقافة الغيتو) ، التي ترى في الآخرين آفات بشرية تقتضي ازالتها ، وبدافع ثأري ، حتى أن ناحوم غولدمان اعتبر أن الأوروبيين “دفعوا بنا الى أرض الميعاد ربما لغسل ايديهم من دمائنا ، ومن آلامنا” ليقع العرب ، بهشاشتهم وبتبعثرهم ، ضحايا لتلك الرؤية ، قبل أن يظهر ذلك النوع من الرجال ان في لبنان أو في غزة .

جنون أمة لا جنون رجل فحسب . خط طويل من المذابح على أرض فلسطين ، بين عامي 1947 و 1948 ، وفي سيناء ، حيث كانت دبابات موشي دايان تسحق بجنازيرها الأسرى المصرييين ، وصولاً الى مذابح غزة ولبنان .

واقعاً ، كنا نتصور أن معادلة “توازن الرعب” تحول دون تل أبيب والتفكير في القيام بأي عملية عسكرية ضد لبنان . لم نكن نتصور أن الموساد (وهذه فجيعتنا الكبرى) اخترق حتى عظامنا ، عظام من كانوا مؤتمنين على أرواح القادة . من هنا نقول للسيد حسن نصرالله ، بعنفوان القائد ، وبنقاء القائد ، وهو يواجه برابرة القرن ، لم نعد نثق الا بك . لا ببغاءات الشاشات ، ولا بغربان المنابر . هل وصلنا الى تلك الحالة من الصدمة ، ومن الفضيحة ، لنشك حتى بأنفسنا ؟ ولكن لنبقى في الخندق الى جانب السيد ، والى جانب أولئك الرجال الذين حملوا جراحهم على ظهورهم ، وقرروا أن يوجهوا تلك الليالي الليلاء بتلك الجراح …

الاسرائيليون يتوعدوننا بمفاجآت أكثر دوياً ، وأكثر كارثية . ماذا أكثر من الذي حصل ، ودون أن يكترثوا بما يقوله العالم ، ولا بما يقوله الله ، لأن الههم ، وكما صوّره حاخاماتهم ، اله الدم ، واله الكراهية ، واله الجشع ، كما قال الفيلسوف اليهودي الفذ باروخ سبينوزا . ونحن نقول للاسرائيليين ، وكنا المثال في أخلاقية المعركة ، ودون أن نستهدف أي مدني ، ولم نقتل أي طفل ، ان لدينا مفاجآتنا المدوية ، ومفاجآتنا الكارثية . ولكن هل يدري الاسرائيليون الذين عاشوا التجربة المريرة في غزة ما تعنيه مواجهة المقاومة في لبنان على أساس الجنون بالجنون ، والقتل بالقتل . بطبيعة الحال الانتحار بالانتحار ؟

الوقت في منتهى الدقة ، وفي منتهى الخطورة . سواء كانت الهدنة ( الهدنة التفاوضية ليطل علينا آموس هوكشتين بوجهه البهي ، دون بشاعة ديفيد شينكر الذي يبدو وكأنه سليل كل الكراهيات على مرّ الأزمنة) أم لم تكن الهدنة . لهذا أبدينا ذهولنا حيال كلام الرئيس مسعود بزشكيان في الأمم المتحدة “حزب الله لا يستطيع أن يواجه اسرائيل (اسرائيل الأميركية والأوروبية) وحيداً .

ممنوع أن نعترض ، وأن ننقل أسئلة الناس . كثيرون انهالوا ، بل انقضّوا ، عليّ بالاتهامات كوني أتماهى مع الخط الصهيوني ، وحتى الانخراط في هذا الخط . هذ عادات بعضنا أن يتهموا حتى الحقيقة بالعمالة للصهيونية .

من سنوات ، ونحن نستتنزف على ذلك النحو التراجيدي ، نأمل من ايران ، بالهيكلية المعقدة ، وأحياناً الملتبسة للسلطة (المرشد ، والطبقة السياسية، والحرس الثوري) ابدال معادلة “ايديولوجيا أكثر براغماتية أقل” بمعادلة “براغماتية أكثر ايديولوجيا أقل” ، لنستبشر بوصول بزشكيان الى الرئاسة والتخلي عن سياسة مواجهة العالم ،

الداعي الى ذلك ليس فقط الاختلال الدراماتيكي في موازين القوى ، وانما بسبب التشابك الفوضوي بين المصالح ، وبين الثقافات ، وبين الاستراتيجيات ، وفي ظل الصراع السيزيفي حول قيادة الكرة الأرضية .

هذا هو المشهد الان “جنون نتنياهو وحكمة نصرالله” الذي لم يفجّر البركان حتى الآن ليقال “جنون نصرالله مقابل جنون نتنياهو” . في هذه الحال ، على هولاكو العصر أن يدرك أن هذه اللحظة ليست بالبعيدة .

أن نكون المجانين أفضل بكثير من أن نكون القتلى …

 

Exit mobile version