لمن سيردّ الحزب التحية أولاً… للداخل أم للخارج؟
كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
في خضم المناكفات السياسية الداخلية جاء تاريخ 17 و18 أيلول ليقلب المشهد الداخلي رأساً على عقب، ويبدّل الأولويات ويتخطّى المعايير، ليصبح الخصم الداخلي حليفاً والعدو الداخلي صديقاً. فهل يردّ «حزب الله» التحية للداخل أم سيردّها للخارج أولاً؟
اللافت أنّ الخارج اعترف أنّ ما جرى في الـ17 والـ18 من أيلول في لبنان كان حدثاً خطيراً وبدا متفهّماً، حتى أنّه تملّص ممّا جرى وسارع لنفي علمه بالتفجيرات التي طالت شريحة كبيرة من المدنيِّين وليس فقط من مسؤولي وعناصر «حزب الله»، الأمر الذي قد يفرمل كافة مفاوضات التسوية في المنطقة… وصولاً إلى إمكانية اندلاع حرب شاملة.
في المقابل، أربكت التطوّرات الدامية الحزب لأنّه وحتى 17 أيلول بدا متمكّناً من دوزنة قواعد الإشتباك، وبدا مُمسكاً بقاعدته وبقواعده بعكس الفريق الآخر الذي كان يتخبّط في دوامة الإنقسامات الإسرائيلية العسكرية والشعبية.
إلّا أنّ خرق شبكة التواصل اللاسلكية وتفجيرها مع ماكينات الـ«بايجر» سيكون له حُكماً تداعياته على التواصل بين الحزب والقاعدة، لأنّه سيفصلها عن توجيهات القيادة، في وقت هم في أشدّ الحاجة إليها أقلّه في المرحلة الراهنة!
وتشير المعلومات الأولية، عن تسليم 4000 آلاف جهاز «بايجر» إلى «حزب الله» منذ حوالى الشهرَين، والآلاف من أجهزة الاتصالات اللاسلكية. فيما تخطّى عدد الشهداء وفي 17 و18 أيلول بلغت الحصيلة 27 شهيداً و3250 جريحاً. في المجزرة الإسرائيلية.
علماً أنّ غالبية هذه الأجهزة تُستخدَم من قِبل مسؤولين في «حزب الله»، الأمر الذي سيؤثّر سلباً على منظومة القيادة والسيطرة في الحزب، خصوصاً أنّ أهمية هذه العمليات تكمن بأنّها طالت عدداً كبيراً من العناصر الأمنية الإستخباراتية العسكرية والمدنية الفاعلة على الأرض، والتي تُشكّل دينامية الحزب.
بانتظار وضوح الصورة لردّ فعل الحزب، كانت لافته مواقف خصومه في الداخل، وحتى من حلفائه الذين يواظبون على انتقاد آدائه في مقاربتهم للحرب الدائرة في غزة، زد عليهم مواقف التغييريِّين والمعارضة الشرسة للحزب التي لانت بسحر ساحر بعد التفجير الأليم! ليتساءل البعض، هل يردّ الحزب التحية لهؤلاء؟
يقول المراقبون إنّه أولاً وقبل ردّ التحية للداخل من قِبل الحزب، لا بُدّ من التريّث لترقب ردّ التحية الأولى من قِبل الحزب لإسرائيل!
ولا بُدّ من الترقب لمعرفة مواقف الدول الكبرى وتأثيرها على قراره أو حتى على قرار القيادة الإسرائيلية، إذا صحّت المعلومات التي تتحدّث عن إعلانها ضمناً بدء حرب الجبهة الشمالية أي الحرب مع لبنان.
أمّا اللافت مساء الحادثة الأولى، فكان البيان الثاني لـ»حزب الله» الذي لم يُشِر فيه بوضوح حول حتمية الردّ ونوعيّته كما فعل عند اغتيال فؤاد شكر. علماً أنّ استراتيجية الحزب منذ بداية الحرب الدائرة في غزة واستنزاف الجنوب لم تحسم المواجهة المباشرة أو الشاملة.
إعادة الحسابات
مصادر عسكرية مطلعة تقول لـ»الجمهورية»، إنّ على «حزب الله» إعادة حساباته بعد 17 و18 أيلول، أي عليه أن يدرك مدى قدرة إسرائيل على التحكّم بالفضاء السيبراني، والتيقظ من قدرة إسرائيل على التحكّم بأية معلومة ترد عبر الأثير، وأن يعي أنّ داتا الاتصالات هي ملك يدَيها.
وتشير المعلومات من مصادر موثوقة، أنّ «حزب الله» كان فعلاً قد تنبّه لخطورة اعتماده على التكنولوجيا المتطوّرة والهواتف الذكية، لإدراكه أنّ جميع تلك الأجهزة المستخدمة المستحدثة قابلة للإختراق أكثر من الأجهزة البدائية. ومن هنا يمكن تفهّم اختياره للـpager والأجهزة اللاسلكية.
خرق أمني أم تقني؟
في الموازاة، رجّحت مصادر عسكرية أنّ ما حصل يمكن إدراجه في سياق الخرق الأمني الدقيق أو الخطأ التقني الذي غفل عنه الحزب حين اتخذ قراراً باعتماده على أجهزة الـPager واللاسلكية.
القراءات قبل سيناريوهات الردّ
يجمع الخبراء السياسيّون والعسكريّون أنّ هذا الحدث يجب قراءته بتأنٍ، كما يجب قراءة المغزى من توقيته، وماذا أرادت إسرائيل القول من خلال استهداف شبكات التواصل والاتصالات لدى «حزب الله».
كما يجب التمعّن في تصريحات نتنياهو وقائد المنطقة الشمالية والتهديدات بوجوب انطلاق المعركة البرية للجنوب اللبناني.
ويجب قراءة توعّد نتنياهو بإقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني، خصوصاً أنّ هذا الحدث وقع بالتزامن مع زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتين إلى إسرائيل، التي توضّحت معالمها وتؤشّر إلى اهتمام أميركي واضح بتجنيب لبنان الهجوم البري.
أمّا ما يمكن تكهّنه بعد تفجير الـpager والأجهزة اللاسلكية، فترى مصادر عسكرية أنّ الحزب سيُدرج تفجيرات 17 و18 أيلول ضمن تصعيد الاشتباك وسيكون ردّه قاسياً. لكن إذا اختار وضعه في إطار الاشتباك الجاري وفضّل احتواءه، فسيكون من الصعب إقناع مناصريه بهذا الإطار، خصوصاً أنّهم ما زالوا ينتظرون الردّ على اغتيال فؤاد شكر.
والسؤال المطروح إن لم نقل الفرضية المحتملة: ماذا لو خرج نتنياهو عن الإرادة الأميركية ونفّذ وعيده بالهجوم البري العسكري على لبنان؟ فهل سيقلب معه الطاولة الإقليمية مع حلفاء إسرائيل إلى موقع الخصومة، على قاعدة أنّ لا شيء سيمنعه من التقاط الفرصة الأخيرة واستخدام الطلقة الأخيرة!؟