لماذا يُعاقَب الأبي بيار بعد عقدين على موته؟
كتبت رندلى جبور في موقع “الجريدة”:
بعد 17 عاماً على وفاته عن 94 عاماً، برز خبر في الإعلام الفرنسي تلقّفه بسرعة قياسية الإعلام الممتد على مساحة هذا الكوكب، يتّهم “الأبي بيار” بالتحرش الجنسي بسبع نساء.
خبر صادم في توقيت مشبوه. فما الذي يجعل من في الأرض يعاقب هذا الأب الكاثوليكي بعد رحيله إلى السماء، نعم إلى السماء، بنحو عقدين من الزمن؟
للإجابة على السؤال، نعود بداية إلى نشأة هذا الرجل في “ليون” الفرنسية، التي حافظت على الروح المسيحية، في حين غطس الكثير من المدن الأوروبية في العلمانية الأقرب إلى الإلحاد. وفي “ليون”، “التلة التي تعمل”، ولكن أيضاً “التلة التي تصلّي”، وقد أطلقوا عليها هذه الصفة لغناها بالأديرة والكنائس.
انتمى الأبي بيار إذاً إلى تلك التلة التي تصلّي، حين كان العالم يتجه، بإدارة صهيونية، إلى الابتعاد عن “المسبحة الوردية” وكل فعل إيمان حقيقي آخر، إلى الابتعاد عن كل صلاة.
وشارك رجل الدين المسيحي ذاك في المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، قبل أن تجعله حالات الفقر والتشرد التي رآها، متمرداً، وأسّس جمعية “إيمايوس” التي تُعنى بتأمين مسكن وحياة لائقة للفقراء والمشرّدين، مطلقاً نداءه الشهير “لانتفاضة الرأفة”، وانتشرت انتفاضته بأكثر من أربعين بلداً، ولبنان أحد هذه البلدان.
وارتكز الأبي بيار في حياته على ثلاثة:
– الروحانية المسيحية.
– العمل الاجتماعي ومساعدة الفقراء.- النظرة الى المسألة الفلسطينية، على أساس أنها تدفيع الفلسطينيين ثمن ارتكابات الأوروبيين وخديعتهم من دون أن يكون لأبناء القدس الحقيقيين أي ذنب.
قال بوضوح: “القدس ليست للاسرائيليين، ونحن قدمناها لهم كفّارة عن خجلنا من أفعالنا، بكذبة”.
وهذه الركائز تكفي لتشيطن الصهيونية هذا “القديس” وتجعله متحرّشاً… نعم، هو في الواقع “متحرّش” بالسياسة الكبرى التي يُمنع المسّ بها، وهذه هي خلاصة المسألة.
الروحانية المسيحية تزعج أصحاب الرواية الصهيونية لأنها تضربها في صميمها. والمساعدة على الانتشال من الفقر يُصعّب السيطرة على العالم، لأن الفقراء هم الفئة الضعيفة التي يسهل التحكّم بها واستخدامها وقوداً في السياسات المشبوهة والحروب. وقول الحقيقة في القضية الفلسطينية يعرقل مشروع “إسرائيل الكبرى”، ويقوّض أسس الاحتلال.
بالتالي، فإن الاتهام ليس لشخص الأبي بيار، ولكن لكل من يتجرّأ على فعل الخير والنطق بالحقيقة، فهاتان “الجريمتان” لا تُغتفران في أرض تختلف فيها العدالة عن تلك التي في السماء.
هي رسالة لكل من يحمل قضايا المستضعفين، ويناضل من أجل الحق والحقيقة، لأنه يخرّب مشاريع “الحكومة العالمية” الخفيّة.
هي حكم مسبق على جميع هؤلاء بالصمت، وإلا فإن التهم جاهزة: “معاداة السامية”، أو “التحرش الجنسي” أو غيرها… لا مستندات تثبّت هذه الاتهامات غب الطلب، بل مجرد نشر أضاليل وأكاذيب مدفوعة الثمن.
صحيح أن ليس كل متهم بريء، وهذا أكيد، ولكن لاحظوا إلى أي فكر وأي عمل ينتمي معظم هؤلاء المتهمين، حتى من رجال دين حاليين من غير اللبنانيين، وأيضاً من اللبنانيين: هم من كتبة الترانيم عالية الروحانية، ومن أصحاب العظات والخدمات الإنسانية، ومن المناصرين للقضية الفلسطينية.
أليست الصورة واضحة؟!
إن الأبي بيار، الذي أصبح تحت قوس عدالة السماء منذ زمن بعيد هو وكل معاصريه، ليس بحاجة إلى من يدافع عنه اليوم على الارض، فمحكمة الآخرة أهم بكثير من محكمة هذه الدنيا، ولكنها صرخة تحذير لئلا تسقط كل عدالة أرضية، وتسهل شيطنة القديسين وتقديس الشياطين… فاحذروا!