كتب زاهر أبو حمدة:
عام 2015، كان حينها داخل سجن يتبع للأمن الوقائي في رام الله، بإطار اتفاق معه، ويُمنع استخدام أي وسائل تواصل إلا بشروط معينة. وبعد ترتيب معقد، وصل الهاتف الى يد قائد “كتائب شهداء الأقصى” في جنين زكريا الزبيدي. أجرينا دردشة صحافية، تلخص المرحلة والأفق ومصير الكتائب لا سيما بعد عدوان 2014 على غزة. من ضمن ما أفصح عنه الزبيدي، أن “كتائب شهداء الأقصى يمكن أن تعود بيوم وليلة لا أكثر، وأن منير المقدح في لبنان كان مسؤولاً مباشراً عن الدعم بالسلاح والمال بالتنسيق مع مؤسس الكتائب في جنين الشهيد زياد العامر (استشهد عام 2002) مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000. ومن ثم انتقل التنسيق معه مباشرة، فلم يكن المقدح مجرد منسق للدعم إنما مخطط لعمليات فدائية، (ليس مهماً الكشف عنها حالياً)، وذلك بالتعاون مع فصائل المقاومة الأخرى أو تنفذها كتائب شهداء الأقصى منفردة”.
بعد الحوار الصحافي، أخبرت المقدح في مخيم عين الحلوة، أن الزبيدي يقول كذا كذا. ابتسم وأكد على دور كل الشعب الفلسطيني باستمرار الكفاح المسلح. اعتقل الاحتلال الزبيدي عام 2019، وبعد عامين شارك في عملية التحرر من سجن جلبوع مع 5 أسرى ينتمون الى حركة “الجهاد الإسلامي”، قبل أن يُعاد اعتقاله. لكن تواصل أبو حسن المقدح استمر مع أعضاء آخرين في الكتائب في مقدمهم الشهيد نعيم الزبيدي، لا بل وسع تنسيقه ليشمل ناشطين غير محسوبين على “فتح”. من هنا، ارتفع منسوب العمليات وتغيير تكتيكات المقاومة في الضفة لا سيما في المحافظات الشمالية.
يرفض أبو حسن، الحديث عن طبيعة دوره الفعلي لكن بعد معركة “سيف القدس” عام 2021، وما سبقها من نتائج لصفقة القرن، اتخذ قراراً ومن معه في المجلس العسكري بتفعيل العمل الفدائي وإعادة تشكيل مجموعات “كتائب شهداء الأقصى” وتوحيدها في الداخل والخارج. وبالفعل، ارتقى العمل المقاوم في الضفة تحديداً وصولاً إلى “طوفان الأقصى” في تشرين الأول الماضي.
وشهدت الفترات الماضية قبل الطوفان، إعادة تشكيل الكتائب في مخيمات لبنان، وعمل على استقطاب الجيل الجديد والعمل على تدريب الشباب في مجموعات مستقلة، لأنه يرى أن “المخيمات لها دور كبير في المعركة المقبلة مع الاحتلال” وهذا ما حصل. وبالنسبة الى الضفة الغربية، كان هاجسه الأساسي: “كيف نوصل السلاح النوعي على الرغم من كل العوائق؟”. وفي الشهر الثاني من الطوفان وبعد تهديدات إسرائيلية ذكرته بالاسم، كان التواصل معه، ليفصح أن “السلاح المهم سيصل قريباً إلى الضفة”. وقبل اغتيال شقيقه خليل (أبو حسين) قرب مخيم عين الحلوة، بساعات قليلة، نشر موقع قناة “مكان” الاسرائيلية أن “عبوات قوية الانفجار وصلت الى عناصر إرهابية بالضفة الغربية عبر ثغرات في السياج الحدودي مع الأردن. وفي السنوات الأخيرة، تم إحباط عمليات تهريب ذخيرة عسكرية، لكن هناك العديد من عمليات التهريب لم تتمكن قوات الأمن من إحباطها. ويقدر الجيش أن الأسلحة والذخيرة التي تم ضبطها في عمليات التهريب التي أحبطت هي قطرة في محيط مقارنة بالأسلحة والذخيرة التي وصلت إلى العناصر الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية، وذلك على الرغم من أن الجيش قد كثف نشاطاته الرامية الى احباط عمليات تهريب الأسلحة والذخيرة عبر الحدود الأردنية وعلى الرغم من تعزيز هذا القسم من خلال إضافة كتيبة عسكرية لتساعد على تولي هذه المهمة. وليس لدى أجهزة الأمن ما يشير إلى حيازة هذه التنظيمات صواريخ مضادة للدبابات أو غيرها من أنواع الأسلحة التي تشكل خطراً حقيقياً جديداً، لكن لا بد من التأكيد أن ذلك لا يدل على أنه ليس بحوزتهم أسلحة وذخيرة كهذه، بل ما من معلومات تشير الى ذلك وحسب”. وأضيف إلى هذا الاعتراف، ما ذكرته “إسرائيل هيوم” أن “المؤسسة الأمنية والعسكرية تقدّر أنه تم إحباط أكثر من 1100 عملية فدائية في الأشهر الـ10 الماضية”. وأصبح معروفاً أن للمقدح في ذلك بصمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أما العميد خليل المقدح، فلم يكن قائداً في ظل شقيقه، إنما شريك أساسي في التخطيط والتدريب وايصال السلاح. وبالتالي، اغتياله كان متوقعاً مع أن الاغتيال الأساسي لمنير المقدح. وإذا كان قول أبو حسن أن “الثأر لاغتيال أبو حسين سيكون في العمق الاسرائيلي”، فعلى الاحتلال أخذ هذا الكلام على أهبة الجدية. أما بالنسبة الى مخيم عين الحلوة، فاغتيال خليل المقدح، ومن سبقه من شهداء المخيم خلال “طوفان الأقصى”، وجب رفع منسوب التكاتف المجتمعي باعتبار أنه لا يُعرف ما هو آت، والأهم أن هؤلاء الشهداء على أيدي الاحتلال خير دليل على أن الوجهة الحقيقية لأهالي المخيم بعيدة عن الأجندات المشبوهة والمشاريع الخفية والمعلنة المحدقة بعاصمة الشتات.