لماذا تحريك القرارات الدوليّة الفتنويّة مع استمرار الحرب «الإسرائيليّة» القديمة ؟

بري يعتبر 1559 خارج الخدمة... وتسليم حزب الله سلاحه غير وارد

لماذا تحريك القرارات الدوليّة الفتنويّة مع استمرار الحرب «الإسرائيليّة» القديمة ؟

كتب كمال ذبيان في “الديار”:

قبل تحرير جنوب لبنان في 25 ايار 2000 من الاحتلال «الاسرائيلي»، كان هناك من يطالب بتسليم حزب الله لسلاحه، الذي شرّعته الحكومات التي تعاقبت ما بعد اتفاق الطائف، وساهمت سوريا في ذلك، التي رعت المقاومة منذ انطلاقتها اثر الغزو للبنان صيف 1982، ولما كانت ظروف اقليمية ودولية تسمح بان تطرح اطراف لبنانية تسليم حزب الله سلاحه، الذي استثني منه، لانه ليس من الميليشيات التي طالبها اتفاق الطائف بتسليم سلاحها للدولة، لانه كان يستخدم في الحرب الاهلية، وجاء اتفاق الطائف ليوقفها، ويضع خارطة طريق لاصلاح النظام السياسي، والاتجاه به نحو الغاء الطائفية بتحديد المادة 95 من الدستور منها، واقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي.

فالمقاومة ظهرت مع وجود الاحتلال «الاسرائيلي»، ولم يكن الجيش موجوداً ليقوم بدوره المنوط به وهو الدفاع عن لبنان، لان بناءه كان على اساس «الحياد» في الصراع مع العدو الصهيوني، وان «قوة لبنان في ضعفه»، وملزم باتفاقية الهدنة، التي لم تعط للبنان حق بناء جيش يكون جاهزاً بوجه عدو توسعي له اطماع في لبنان بارضه ومياهه، وهو جزء من مشروع «اسرائيل الكبرى»، فاختلف اللبنانيون حول توصيف «اسرائيل» بانها عدو أم جار؟ كما انقسموا حول الجيش وعقيدته القتالية كما على تسليحه، وهذا ما اوصل الى ازمات داخلية وحروب اهلية على مراحل، وفق قراءة سياسية لمصدر رافق تلك الفترة الزمنية، لا سيما منذ منتصف الستينات.

ولم يتمكن اتفاق الطائف من توحيد اللبنانيين، وان كان اوقف الحرب بينهم لاسباب طائفية واخرى لارتباطات خارجية، فظهرت للمرة الاولى المطالبة بارسال الجيش الى الجنوب ونزع سلاح المقاومة في العام 1993 ، بعد العدوان الاسرائيلي على الجنوب خصوصاً ولبنان عموماً وكان ما زال يحتل اجزاء واسعة منه، وسميت العملية «الاسرائيلية» بـ «عناقيد الغضب»، واتخذت الحكومة اللبنانية برئاسة رفيق الحريري وترأس الجلسة رئيس الجمهوية الياس الهراوي قرارا بارسال الجيش الى الجنوب في تموز 1993، لكن قائد الجيش آنذاك العماد اميل لحود رفض تنفيذ القرار واعتكف في منزله، فتدخلت القيادة السورية التي كانت ترعى تطبيق اتفاق الطائف لحل الازمة، وتبين ان وزراء يعتبرون من الموثوق بهم سورياً، هم الذين طرحوا ارسال الجيش، فعلم الرئيس السوري حافظ الاسد بالموضوع، وساند العماد لحود في موقفه، ووبخ الفريق السوري الذي كان يدير الملف اللبناني برئاسة عبد الحليم خدام، واستقبل العماد لحود الذي تبنى مقولة «جيش وشعب ومقاومة»، وكانت طريقه الى رئاسة الجمهورية، التي وصل اليها متأخراً ثلاث سنوات، بعد التمديد للرئيس الهراوي عام 1995.

فارسال الجيش الى الجنوب حصل بعد اتفاق الطائف بعد ان وحده قائده العماد لحود، واصطدم باحزاب لبنانية رفضت تسليم سلاحها، كما ضبط السلاح داخل المخيمات، ولم تعد جزراً امنية.

هذا النهج المقاوم الذي اتبعه الرئيس لحود اوصل لبنان الى تحرير ارضه، فكانت المطالبة الفورية من احزاب ومراجع روحية، لان مهمة المقاومة انتهت وعلى حزب الله ان يخلع ثوبه العسكري، ويستمر في السياسة التي دخلها في الانتخابات النيابية عام 1992، الا انه رأى في استمرار الاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا يلزمه ببقاء سلاحه، وبناء قوة ردع بمواجهة العدو الاسرايئلي، وهذا ما لا يرغب به فريق لبناني، الذي تجمّع في «قرنة شهوان» عام 2001 وبدأت الدعوة لنزع سلاح حزب الله وانسحاب الجيش السوري من لبنان، الذي كان يشكل غطاء ايضاً لسلاح المقاومة، التي كانت تستعد لاي عدوان محتمل على لبنان الذي هزم الجيش «الاسرائيلي»، منذ اندحاره عن بيروت بعد احتلاله لها باقل من شهر على دخوله اليها.

وبعد الغزو الاميركي للعراق في 2003، واسقاط النظام فيه برئاسة صدام حسين، ورفض سوريا برئاسة بشار الاسد التجاوب مع المطلب الاميركي وقف دعم المقاومة في لبنان بعبور السلاح اليها، تحركت اميركا برئاسة جورج بوش الابن باتجاه فرنسا برئاسة جاك شيراك، وتمكنا في قمة جمعتهما في «النورماندي» خلال حزيران 2004 ، وتوصلا الى اتفاق يخرج الجيش السوري من لبنان وينزع سلاح الميليشيات، ورفض تعديل الدستور لمنع التمديد للرئيس لحود، وهذه البنود وردت في القرار 1559 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي في 2 ايلول 2004، وعشية عقد مجلس النواب اللبناني جلسة للتمديد للرئيس لحود، الذي عارضه فريق لبناني، ترأسه رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، وتوافق بذلك مع الرئيس رفيق الحريري الذي دفع حياته ثمن هذا القرار، كما تناقلت المعلومات، وهذا ما سرّع في انسحاب الجيش السوري بعد اغتيال الحريري، فبقي من بنود القرار 1559 سلاح حزب الله والتمديد للحود، الذي خرجت قوى 14 آذار التي ظهرت اثر اغتيال الحريري تطالبه بالرحيل، لكنه صمد بوجه الحملة واكمل ولايته، في وقت ظل سلاح حزب الله و الاساس، فتمت مقايضته «بالتحالف الرباعي» في الانتخابات النيابية، وهربا من فتنة سنية ـ شيعية، بدأ التحضير لها منذ غزو الجيش الاميركي للعراق.

هذه الوقائع تؤكد ان سلاح حزب الله كمقاومة هو المستهدف، وهذا مطلب «اسرائيلي» شنت عليه الحروب والاعتداءات في العامين 1993 و1996، وكانت اميركا تدعم العدو الاسرائيلي لتحقيقه، وتلقى تجاوباً من اطراف لبنانية «تحب الحياة» وتعمل لاقامة «سلام» مع الكيان الصهيوني، كما فعلت انظمة عربية اخرى، تقيم قوى سياسية في لبنان علاقات معها، لتنفيذ مشاريعها فيه، ومنها مواجهة حزب الله» الذي هو امتداد لايران التي انشأت محور المقاومة.

واستحضار تنفيذ القرار 1559 الذي صدر عام 2004، ولم يأت في سياق حرب مع العدو الاسرائيلي، بل لان اطرافاً لبنانية استغلت الحضور العسكري الاميركي في العراق، لتمرير اهدافها ضد سوريا والمقاومة، فلم تنجح في نزع سلاح حزب الله فدخلت «اسرائيل» مباشرة في الحرب صيف 2006، بقرار اميركي، واشرفت على العملية العسكرية غونداليسا رايس، التي لم تحقق اهدافها باستسلام حزب الله وتسليم سلاحه، وهذا ما عاد وطرحه «لقاء معراب الثاني» مستغلاً لحظة استشهاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وقادة آخرين في المقاومة، وتدمير العدو الاسرائيلي للبلدات والقرى والاحياء والمباني من الجنوب الى البقاع فبيروت والشمال كما الجبل، واعتبار حزب الله انهزم وعليه تنفيذ القرار 1559، الذي اعتبره الرئيس نبيه بري خارج الخدمة، وان من يدعو له انما يعمل للفتنة، وهو وصف اطلقه عليه الرئيس عمر كرامي عند صدوره، وهو منذ ذلك الحين ولبنان يعيش في حروب اهلية باردة واعتداءات «اسرائيلية».

 

Exit mobile version