الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

لكأنه سقوط الدهر

لكأنه سقوط الدهر

كتب نبيه البرجي في “الديار”:

لن ننتحب، ولن نولول، ولن نرتدي ثياب الحداد (ذاك الحداد الأبدي) . هذا وقت ينبغي أن نكون فيه بصلابة الصخور، وبقوة الأعاصير، لأنه كان هكذا حين يقف وحين يتكلم وحين يقاتل . الآتي من حياة هي حياتنا، الذاهب الى موت هو موتنا …

ولنعترف بأن هذه الأزمنة لم تكن، ولن تكون أزمنتنا، لا هي أزمنة القلب، ولا هي أزمنة الله . هي أزمنة القتلة، والطغاة . من يظنون أنفسهم أنصاف الآلهة، وهم أنصاف البشر . ولقد أظهرت الأيام، وذاك اليوم الذي مات فينا كل شيء، اننا نقف وحدنا في القضية، وفي الصراع، وفي البحث عن مكان يليق بالكائنات البشرية، بعدما مللنا أن نكون القهرمانات (وحتى قهرمانات السماء) لهذا البلاط أو لذاك، لهذا الحرملك أو لذاك .

يا لمصيبتنا ! ليس صحيحاً أن المصائب تصنع الرجال . المصائب، وبيأسنا الذي لا يأس قبله، ولا يأس بعده، لا تصنع سوى الضحايا، وسوى الجثث، دون أن ندري ما الفارق بين قهقهات الحاخامات وقهقهات من رأوا فينا أذرعهم في تحقيق أغراضهم الجيوسياسية، وأغراضهم الجيوستراتيجية . ما حجة هؤلاء لكي يتركونا بمفردنا نواجه البربرية هنا، والبربرية هناك، والبربرية هنالك، ونحن في البلد الذي لا مكان فيه الا للذئاب، والا لأكلة عظام البشر،والا لمن يلهثون وراء الفتات، أكان الفتات القبلي أم كان الفتات الأمبراطوري .

لقد آن الأوان لكي ندرك لماذا قتل قايين هابيل، على مرأى من الله، لكي ندرك لماذا وجدنا على هذه الأرض، على أنها أرض الآلهة، وأرض الجبابرة، الذين أفواههم تتقيأ الدم، عيونهم تتقيأ الدم، أذانهم تتقيأ الدم . هكذا ظننا اننا قهرنا القهر،لنكتشف في نهاية المطاف، وقبل نهاية المطاف، أن طريقنا هو طريق الجلجلة، ولا قيامة، ولا نريد القيامة.

اعتدنا أن نغتسل بدمائنا مثلما نغتسل بدموعنا . ما النتيجة ؟ انها رقصتنا مع الهباء، ورقصتنا مع اللامعقول، ورقصتنا مع العدم . ولنعد الى بيوتنا القديمة، والى قبورنا القديمة، لأن الشمس لم تشرق من أجلنا، ولأن قتلانا ليسوا، كما قلنا، ببهاء القمر، بل هم يذهبون، ويذهبون، ويذهبون . ولقد ذهبوا ..

من هناك، يقولون لنا اياكم أن تكونوا لغيركم، كونوا للبنان فقط ، ولتراب لبنان، ولأهل لبنان، لأن هناك من يبيعكم، ويبيع جثثكم . ولقد عشتم من أجلهم كل تلك المرارات، وكل تلك الآلام، لتوضع جثثكم على طاولة المفاوضات . هذاأيها الأحياء اذا كنتم لا تزالون على قيد الحياةمنطق الأمبراطوريات، وبقايا الأمبراطوريات، وهذا منطق القبائل، وبقايا القبائل .

ماذا تعني القضية اذا كان رجال القضية يرحلون هكذا، واذا كان ورثة القضية يدفنونها حيناً تحت الورود، والثلوج الاسكندنافية، وحينا على صوت المآذن في القاهرة (لا الظاهر بيبرس هناك بل فيفي عبده)، أو داخل العباءات الزاهية في الدوحة ؟

أميركا قالت ان اسرائيل لم تبلغها، مسبقاً، بالغارة . هل هو غباء كاليغولا أم غباء الشيطان، كما لو أن تلك القنابل الهائلة، القنابلالمقابر، لم تقدم على طبق من الذهب الى يهوه الذي نعود ونذكّر بقول الميثولوجيا العبرية انه كان، من كهفه، يرشق السابلة بالحجارة التي ما لبثت أن نحولت الى قنابل نووية يفترض ألا تكون الا بأيدي من احترفوا صناعة النار . أكانوا ورثة هولاكو أم ورثة يهوذا .

أجل، يالمصابنا حين تكون أوراق الخريف، وهي أوراق اليأس، كفننا . كم شهق ذاك التراب، وكم بكى (وكنا نظن أنه يزهو وأنه يزغرد) حين يرى من هم ضيوفه في هذه الأيام، ودون أن نسال أين هم الأنبياء، وأين هم الملائكة الذين طالما قيل لنا انهم خلقوا من أجلنا (ومتى كانوا لأجلنا ؟) . أيها السادة الأنبياء، وأيها السادة الملائكة، لا حاجة لنا بكم . دعونا نتدبر أمرنا بأنفسنا، لأننا نعرف الطريق الى قبورنا، ونحن نسلكها في كل يوم، وفي كل لحظة .

الذي كان الرجل فوق الرجال، والذي كان الوردة والبندقية، الجبل والسنبلة . الذي كانت عباءته عباءة من يصنعون الأسطورة، ويرحلون مثلما ترحل الأسطورة . لن نقول «ستبقى بيننا (أين بيننا ؟)، بتلك الضحكة التي كانت لغة القلبما تبقى من القلبوحين تطل تطل الحياة.

الآن لا ضحكة، ولا اطلالة، يا من كنت تغمرني وتقول «حين أقرأ مقالاتك أشعر بالعنفوان» . بعدك أي لهفة للحياة بل أي حياة ؟ أي لهفة للكلمة، بل اي كلمة ؟ يا من كان سقوطه لكأنه .. سقوط الدهر !!

 

زر الذهاب إلى الأعلى