كتَبَ أسعد أبو خليل:
مَن كان يتصوَّر أن يبرزَ شخصٌ إلى موقع قيادة قوي بهذه السرعة؟ قد لا يكون هو القائد الحالي للحزب، وليس مهماً أن نعرف، وربما الأفضل ألّا نعرف، لأن الأولويّة في الحزب (بعد أولويّة الميدان) يجب أن تكون للعمل على تلافي الخروقات الأمنيّة ــ الإلكترونيّة ــ منها والبشريّة وسدّها. لكنّ إطلالات نعيم قاسم باتت من نوع آخر، ينتظرها الذي كان لا يحبّذ خطبه في الماضي أكثر من مريديه.
نعيم قاسم ظُلمَ من قَبل (منّي ومن غيري): كان عليه أن يطلَّ في ظل قيادة نصرالله الاستثنائيّة. يصغرُ أيّ قائد بوجود نصرالله. ثم إن نعيم قاسم تولّى موضوع الانتخابات النيابيّة ولم تكن خطبه السياسية الانتخابيّة موفّقة واتسمت بصلف القوّة أحياناً. لكن قاسم بعد الضربات القاسية (لا القاصمة) هو رجلٌ آخر. الرجال (والنساء) في الأزمات هم على حقيقتهم: إما أن يكونوا «قد الحمل» أو لا يكونون. قاسم من أوّل إطلالة له بعد اغتيال نصرالله أصبح رجلاً آخر في نظرنا. أصبح قائداً، بصرف النظر عن مرتبته الحاليّة.
تستطيع أن تتصوّره وهو يعطي أوامر للقياديّين في المراتب الأدنى. كان المطلوب من قاسم أن يعطي صورةَ أنّ هناك من يُمسك بزمام الأمور ونجح في ذلك. وصياغة خطبه مُحكمة ومتماسكة ومنظّمة، وإن كانت تختلف في المضمون والشكل عن نصرالله. نعيم قاسم أذكى من أن يحاول تقليد نصرالله.
على العكس، هو أطلّ منذ البداية بشخصيّته كما هي، ولهذا تعرّفنا إليه على حقيقته. خطبه مثلاً أكثر حرصاً على التوجّه اللبناني والعربي وحتى العلماني. نصرالله تطوّر بسرعة من زعيم لحزب جماهيري إلى زعيم إقليمي ذي حضور واهتمام عالميين. الحزب في طور إعادة البناء، وقاسم رجل التنظيم المخلص.
لا يعاني ولم يعان من طموحات شخصيّة. المهم عنده شرح مواقف التنظيم والمقاومة لقاعدة الحزب ثم للجمهور ثم للعالم. وخطبه منذ الكارثة تتّصف ببلاغة أدبيّة لم أكن أتبيّنها من قبل في خطبه. المرحلة تصنع قادة ورجالاً ونساء. المرحلة بصعوباتها وملاحمها صنعت نعيم قاسم آخر. كأننا كنّا نجهله من قبل