لعبة الترسيم من قبرص حتى الناقورة نماذج مختلفة دون جدوى

كتب مبارك بيضون

بداية الترسيم مع قبرص هي التي فتحت شهية الكيان على ما تبقى من أطباق دسمة على مائدة المسطحات المائية، بعد تقاسم كل الأهداف المحيطة بجزيرة قبرص، مع دول حوض شرق المتوسط، والتي قد تشتعل مع إشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية، مع ما لها من تأثير على أسعار النفط والغاز في البورصات العالمية.

الغاز الموجود في المياه اللبنانية يكفي لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، التي صنفها البنك الدولي على أنها ثالث أسوأ أزمة منذ 150 سنة الماضية. وبسبب الفساد اللبناني والحصار الإقتصادي منع لبنان من استغلال الغاز وتوفير عقود التنقيب والاستخراج والبيع.

في المقابل بدأت إسرائيل في ضخ الغاز الى مصر بموجب اتفاقيات وشراكات إقتصادية، من شأنها عدم تعويل الإقتصاد الإسرائيلي على المساعدات الخارجية، خاصة الأمريكية، كي لا تتكرر الضغوطات التي عانتها تل أبيب عقب الخلافات التي جرت بين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي الأسبق باراك اوباما في أواخر العام 2016، كما أن زيادة التضامن في الأوساط الأمريكية للقضية الفلسطينية عقب عملية “سيف القدس”، باتت تشكل أرقًا للوبي الصهيوني، وأجهزة الضغط العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي ظل هذه الاستراتيجية النفطية يبقى أمام قادة الكيان الاسرائيلي ازمة ترسيم الحدود مع لبنان، هذه الحدود التي طالما شكلت أزمة وجودية للكيان، لا يألوا الاسرائيلي جهدا بمحاولة التستر بستار أمريكي، الذي يعتبر ذا اليد الأقوى على الساحة السياسية اللبنانية، وذلك أمام سياسة الترهيب والترغيب التي تقودها السفيرة الأمريكية في لبنان، أو عبر العروض المباشرة وغير المباشرة التي يخرجها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين من جعبته، والتي قد يسيل لعاب بعض السياسيين على إغراءاته، والتي ظهرت بشكل علني من خلال تنازل لبنان عن الخط 29، وإعتماده خط 23 دون أي مقابل على الصعيد الوطني، حيث اعتبرت خسارة صافية للفريق اللبناني المفاوض، الذي حاول في المرات السابقة تثبيت النقطة 29 منطلقًا لأي عملية تفاوض.كل ذلك بالتوازي مع اختلال الرؤية الواضحة عند الشعب اللبناني، نتيجة صمت القيادات السياسية عن ما جرى.

وفي ظل الأجواء الملتهبة التي اشتعلت على الجبهة الروسية الأوكرانية، تفضل اسرائيل استمرار الوضع على ما هو عليه في منطقة غرب آسيا، إذ أكد مصدر متابع لمسار الترسيم على أن “اسرائيل تفضل، ومعها الولايات المتحدة، ان يتم الاتفاق وأن تباشر التنقيب في جو آمن ومستقر، لكن ماذا لو لم يحصل ذلك ولم يتم الترسيم ولم يتمكن لبنان من إعطاء قرار يناسب اسرائيل والولايات المتحدة؟”

يجيب المصدر أن “الأكيد أن تل أبيب وواشنطن لن تخافا من عمل عسكري، أولا لأن من وجهة نظر القانون الدولي حقل “كاريش”، وقالها هوكشتاين صراحة، خارج الترسيم، لأن التلزيمات سبق وحصلت ولم نسمع اي اعتراض لبناني عليه وبالتالي هو خارج النقاش”.

أما الرد اللبناني، فلن يكون الا مجرد كلام في الهواء لتجميع بعض الأصوات الانتخابية، إذ يستبعد المصدر لجوء لبنان الى القوة العسكرية لحصوله على حقل كاريش، لسببين: اولا، حزب الله ليس على استعداد للدخول في حرب يكون هو المسؤول عن بدئها. أما فيما يتعلق بالجيش اللبناني، لنفترض انه سيُدفع للتدخل، فهو غير جاهز لأنه بحاجة الى قرار سياسي غير موجود. والدليل على ذلك هو بناء العدو الاسرائيلي في فترة ليست ببعيدة عام 2019 جدارا في المنطقة المتحفظ عليها في العديسة، وقد اجتمع حينها في 10 كانون الثاني 2019 المجلس الأعلى للدفاع وكان القرار إعطاء التوجيهات اللازمة للجيش للتصدي، وما زال الجيش ينتظر حتى الآن التوجيهات وانتهى بناء الجدار”.

في المحصلة، يبدو أن لا تنقيب في المياه اللبنانية هذا العام، خاصة مع بروز أولويات انتخابية، برلمانية ورئاسية، قد تؤدي إلى فراغ غير محمود في السلطات، مع سريان شائعات حول تجهيز الاستقالات من البرلمان في حال التمديد، خاصة مع الش الذي يعتري اللبنانيين من عدم جدية السلطة بإجراء الإنتخابات، ليصار الى تأجيلها كما حصل مع الانتخابات البلدية والاختيارية.

Exit mobile version