الاخبار الرئيسيةمقالات

لبنان على حافة الانتظار رئاسياً ووقف الحرب على غزة عسكرياً

الأزمة لا تحلّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة... وبعضهم سببّها بارتباطاته بمشاريع

كمال ذبيان

لبنان في الانتظار، وهو جالس على رصيف الحروب والازمات ومصالح الامم، وعندما تصبح حاجة الدول اليه في صراعاتها يتم ادخاله الى لعبة الامم، وتتحول ارضه الى محاور اقتتال بين ابنائه، الذين ارتضوا بانفسهم ان يكونوا وقوداً “لصراع او حروب الآخرين على ارضه”، وهي مقولة راجت في اثناء الحرب الاهلية، لاعطاء براءة ذمة للبنانيين، لكنهم هم لم يحسموا في هوية لبنان الملتبسة، بالرغم من كل الصيغ والعبارات التي وُسمت بها، فان الخلاف حولها ما زال قائماً، كما ان النظام السياسي الذي سموه ميثاقاً وطنياً و”صيغة للعيش المشترك” و”ديموقراطية توافقية”، لم تكن حلاً يؤمن وحدة اللبنانيين، بل بقي الولاء الطائفي هو الامتن من الولاء الوطني، لان النظام طائفي وقابلته قانونية لولادة القتال الاهلي.

لذلك، فان لبنان الذي وُلد كدولة قبل اكثر من قرن، فان سنوات كثيرة من عمره كانت حروبا وازمات، فلم تقم مؤسسات بل محميات للطوائف، التي توزعتها عشائريا وما سُمي العُرف، فلم يكن للسلطات في لبنان بناء دستوري، سوى لمواد منقولة عن الدستور الفرنسي، ملغوما بالمادة 95 التي اجازت للطائفية لمرحلة مؤقتة، كانت متفجرة لجهة ما كانت تطلبه الطوائف والمذاهب من المشاركة في الحكم، وهو مطلب للطائفة السنية ان لا يكون رئيس مجلس الوزراء ملحقا او كاتباً عند رئيس الجمهورية، ليأتي الشيعة ويخرج حديث زعمائهم على انهم طائفة محرومة ومهمشة، في وقت كان الدروز يذكّرون بانهم كانوا حكّام لبنان الذي اسسوه في القرون السادس والسابع والثامن عشر، ليرد الموارنة بان لبنان تأسس لهم عبر وعد الجنرال الفرنسي “غورو” لهم، واعطي في العام 1920 بحراك للبطريركية المارونية.

هذه الصيغ التي نشأ عليها لبنان، وحاول “اتفاق الطائف” ترميم النظام السياسي باعطاء صلاحيات لرئيس الحكومة، والزام رئيس الجمهورية بان يأخذ في تسمية النواب له، كما اعطى لرئيس مجلس النواب استقرارا في مدة رئاسته، وبات نبيه بري رئيساً متوجاً على مدى اكثر من ثلاثة عقود، ولم يُنتخب رئيس غيره لمجلس النواب، في وقت يخرج ساسة ورجال دين موارنة، ليعلنوا بان رئيس الجمهورية بات مهمشاً، ويتمتع بحق “الفيتو” في توقيعه على تشكيل الحكومة، كما على بعض مراسيم وقوانين.

فما كان قبل اتفاق الطائف من خطاب طائفي ومذهبي، يُستعاد مع كل ازمة دستورية وسياسية، ودخلت مصطلحات مثل “حقوق المسيحيين” و “الرئيس المسيحي القوي”، والوزارات “السيادية” التي باتت حكراً على طوائف دون اخرى، الى موضوع وظائف الفئة الاولى التي ظهرت ازمتها كثيراً. ومع الشغور في منصب رئيس الجمهورية، واثناء البحث في التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون الذي اصطحب معه اقتراح القانون المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، بمعادلة كما يحق للموظف الماروني التمديد لماذا لا يحق للسني، في حين لم يحصل ذلك مع الموظف الشيعي، اثناء احالة اللواء عباس ابراهيم الى التقاعد كمدير عام للامن العام.

والتذكير بما هو عليه لبنان وما يتخبط به، وتمر عليه ازمات دستورية وسياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وامنية، اضافة الى الخلاف العميق حول مسألة “حياد لبنان” وابتعاده عن الصراع والمواجهة مع العدو الاسرائيلي، وهذا كان من احد اسباب الصراعات الداخلية والاقتتال الاهلي، وقد يقع اللبنانيون من جديد فيه مع المواجهة العسكرية في الجنوب بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، وهذا ما يظهر في خطب وتصريحات الى حدّ الدعوة الى التسلح بوجه سلاح “خارج عن الدولة” وفق التوصيف لسلاح حزب الله، او الذهاب الى التقسيم عبر طرح “الفدرلة” وشعار “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”، ولا تجمعنا ثقافة ولا تقاليد واحدة، وكل هذا يؤسس لكراهية وحقد بين اللبنانيين، حيث يأتي الرد احياناً غير مسؤول من جهات وافراد، هم من “بيئة الثنائي” الذي امتشق السلاح كما غيره من احزاب مقاومة، وهذا حصل في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عندما رفضت الدولة وانقسمت حول آلية الدفاع عن لبنان بوجه الاطماع الصهيونية للبنان، الذي يدخل في المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني وهو ما ورد في وثائق لقادة صهاينة، وهذا هو عنوان ما زال قائما حول الاستراتيجية الدفاعية.

وطرح هذه الاشكالات وتظهيرها، لانها هي اساس الازمة في لبنان والتي لا تتمثل فقط في انتخاب رئيس للجمهورية، يقول مصدر سياسي، لان الكثير من العهود الرئاسية كانت سبباً لازمات لبنان، منذ الرئيس بشارة الخوري والثورة عليه في عام 1952، الى الرئيس كميل شمعون الذي انخرط في مشروع اميركي للشرق الاوسط، وتسبب بصراع دموي بين اللبنانيين، حيث لم يمر رئيس للجمهورية الا وكان وراءه مشروع خارجي. لذلك كانت صناعته تتم من وراء حدود لبنان، الذي نظامه برلماني وليس رئاسياً، لكن في لعبة حقوق الطوائف يصبح رئيس الجمهورية هدفاً كي يحصل من ضمن مشروع، لا سيما في هذه المرحلة، التي يطرح فيها حزب الله رئيساً لا يغدر بالمقاومة ويطعنها في الظهر، ولديه نموذجان الرئيسان اميل لحود وميشال عون، وهو يؤيد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، في حين ان اطرافاً لبنانية اعلنت بانها لا تسمح باتيان مرشح حزب الله و “أمل” وحلفائهما.

من هنا، فان لبنان على رصيف الانتظار لا سيما في رئاسة الجمهورية، التي توجد مساع خارجية من “اللجنة الخماسية” للبت فيها وحصول الانتخابات، لكن اللجنة لم تتوصل الى صيغة موحدة، بل الى عناوين تتكرر بعدم وجود مرشح، والى حث اللبنانيين على انجاز الاستحقاق.

فرئاسة الجمهورية مؤجلة الى حين تبلور نتائج الحرب على غزة والحل المتوقع للصراع الفلسطيني – “الاسرائيلي”، حيث تجري محاولات للفصل بين حرب غزة والاستحقاق الرئاسي، لكن لا يبدو ان الاجواء ايجابية لان الوضع في الجنوب هو المتقدم عند الموفدين، الذين يحملون الى لبنان التهديد والتهويل “الاسرائيلي”، فيأتيهم الجواب من المراجع الرسمية اوقفوا الحرب على غزة، فتهدأ كل الجبهات.

زر الذهاب إلى الأعلى